من غاية ظهوره لا يحتاج إلى بيان البيان.
ولا نسلّم لزوم الحرج من الحكم بلزوم العمل بمقتضى الرّأى اللّاحق في الغالب ؛ لأنّه إنّما يلزم في ما كان الرّأى الأوّل دائماً أو غالباً على خلاف التّكليف والاحتياط وعمل به ، وكان التّبدّل الظنّى على الوجه المذكور غالباً لأكثر أهل الفتوى ، ودون إثباته خرط القتاد ؛ ومجرّد وجوده لبعض المجتهدين في بعض المسائل لا يجدى نفعاً للحكم بالكليّة ، فالتّمسّك بالحرج سيّما للقول بالتّفصيل على ما عرفت من المفصّل لا وجه له.
وممّا ذكرنا في وجه عدم لزومه الحرج يظهر الوجه في منع لزوم الهرج والمرج والاختلال ، فإنّ غاية ما يلزم في باب النكاح ، الذى أوقعهم في حيص بيص بعد ظهور فساده بمقتضى الرأى الثانى ؛ كون الوطء بشبهة ويترتّب عليه حكم العقد الصحيح من لحوق الولد في الإرث وغيره من الأحكام.
الرّابع : انّا ذكرنا في ما علّقناه (١) على كتاب شيخنا العلّامة قدسسره في حجّية الظّنّ حال نقل الاجماع من حيث الحجّيّة والعدم ، على القول بحجّيّة أخبار الآحاد وثبوت الملازمة بينها وبين حجّيتها على ما عليه جماعة ، وأنّه لا ملازمة بينهما على التّحقيق ، وأنّه على تقدير ثبوتها فإنّما هو في ما رجع النّقل إلى الإخبار الحسّى عن السنّة ، أو عمّا يلازمه عادة كالأخبار عن لوازم الملكات حسّاً ، ونقل الاجماع ممّن عرفت ليس إلَّا مبنيّاً على الحدس والاجتهاد في تحصيل الفتوى ممّن يلازم فتواهم السّنّة باعتقاد النّاقل ، كيف ، وكتبهم بمحضر ومرأى؟ فكيف يبتنى الاجماع على وجدان اتّفاق الكلّ الملازم للسّنّة فيها؟ سيّما على التّفصيل المذكور الّذي بنوا الأمر عليه ، وأىّ عالم أفتى بالتّفصيل المذكور سيّما بين التّبدّل العلمى والظنّى في شقوق المسألة ، حتّى يحصل بحكم الحسّ من موافقة الباقين له الاجماع؟ فليس مبناه عند التأمّل إلّا على الحدس بالاتّفاق والاجماع.
__________________
(١) بحر الفوائد ، ج ١ : ص ١٢١.