اليهود والنصارى في الحكاية مع افتراق مقالتهما في المعنى وحكى عنهما ما ليس بقول لهما للإيجاز والاختصار وتقريره وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا فأدرج الجنة عنهما للإيجاز من غير إخلال إذ شهرة حالهما أغنى عن البيان كقوله (قُلْنَا اهْبِطُوا) وإنما كانت الصورة أهبط لإبليس ثم قيل اهبطا لآدم وحواء فحكاه على المعنى وتقدير الكلام وقال بعض أهل الكتاب لن يدخل الجنة إلا من كان هودا وقال بعضهم لن يدخلها إلا من كان نصارى والبعض الثاني غير الأول إلا أنه لما كان اللفظ واحدا جمع الأول ثم قال (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) أي من النفس يعني الجنس فهو في اللفظ على مخرج الراجع إلى النفس الأولى وفي تحقيق المعنى لغيرها.
قوله سبحانه :
(فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) كما يقول اجتنبوا المعصية من الزناء لأن الرجس يكون أيضا من غيرها ويجوز من الأوثان تأتيكم المعصية
فصل
قوله تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) إنما قال من لتقديره ولكن البار من آمن بالله كقوله (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) أي غائرا قال الشاعر:
تظل جيادهم نوحا عليهم |
|
مقلدة أعنتها صفونا. |
العرب تخبر عن المصدر بالاسم كقولهم إنما البر الذي يصل الرحم ويخبر عن الاسم بالمصدر والفعل كقول الشاعر:
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى |
|
ولكنما الفتيان كل فتى ند. |
فجعل أن تنبت وهو مصدر خبر عن الفتيان ثم إنه حذف البر الثاني وأقام من مقامه كقوله (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) قال النابغة:
وقد خفت حتى ما تريد مخافتي |
|
على وعل في ذي المطارة عاقل. |
أراد على مخافة وعل ويكون تقديره ولكن البر بر من آمن بالله.
قوله سبحانه :
(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ