قوله سبحانه :
(ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) هذه الآية تبطل قول من قال إن إقامة الحدود تكفير المعاصي لأنه تعالى مع إقامة الحدود عليهم بين أن لهم في الآخرة عذابا عظيما أي يستحقون ذلك ولا يدل على أنه يفعل بهم لا محالة لأنه يجوز أن يعفو الله عنهم بإسقاط عقابه.
قوله سبحانه :
(ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) أي لطف لهم في التوبة كما يقال في الدعاء تاب الله عليه وقيل قبل توبتهم ليتمكنوا بها في المستقبل وقيل قبل توبتهم ليرجعوا إلى حال الرضا عنهم وقال الحسن جعل لهم التوبة ليتوبوا بها والمخرج ليخرجوا به
فصل
قوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) تعلقت الوعيدية في الاستدلال على التحابط بآيات منها هذه الآية وهي لا تدل على التحابط بل هي أقرب إلى بطلانها لأن الإحباط المذكور في جميعها يتعلق بالأعمال دون الجزاء عليها ومذهبهم أن التحابط بين الجزاء والأعمال ثم إن إبطال العمل وإحباطه عبارة عن وقوعه على خلاف الوجه المنتفع به لأن أحدنا إذا استأجر أجيرا على نقل شيء من موضع إلى موضع إنما يستحق الأجرة إذا نقله إلى موضع أمره فلو نقله إلى غيره لقيل أحبطت عملك ومعلوم أن هاهنا ما كان يستحق فاعله شيئا فأبطله ومنها قوله سبحانه : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) لما كانت الصدقة إنما يستحق بها الثواب إذا خلصت لوجه الله تعالى وإذا فعلت للمن والأذى لما كانت الصدقة خرجت عن الوجه الذي يستحق معه الثواب فقيل بطلت ومنها قوله سبحانه : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) إلى قوله (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) لو وقع رفع الصوت على صوت النبي ص على سبيل الإجابة له لم يستحق العقاب وإذا وقع على خلاف ذلك انحبط الفعل ومنها قوله سبحانه : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) يعني أن من استكثر من الحسنات وأدمن عليها كان ذلك لطفا له في الامتناع من السيئات ومما يمكن أن يستدل به على بطلان الإحباط قوله