كعب ، وابن جبير ، وابن سيرين ، وميمون بن مهران أنهم قرءوا (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ) [البقرة : ١٥٨] ، ولهذه القراءة وجهان :
الأول : أن تكون دالة على أن السعي بينهما لا يجب.
والثاني : أن يكون «لا» صلة. كقوله : ما منعك أن لا تسجد ، فيكون معناه معنى القراءة المشهورة ، وقد ذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن السعي من أركان الحج ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : هو واجب يجزي عنه الدم.
والصحيح في سبب نزول هذه الآية.
[٢٤] (١) ـ ما أخبرنا به أبو بكر بن حبيب ، قال : ابنا علي بن الفضل ، قال : ابنا محمد بن عبد الصمد ، قال : ابنا ابن حموية ، قال : ابنا إبراهيم بن حريم ، قال : ابنا عبد الحميد ، قال : ابنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن داود ، عن عامر ، قال : كان على الصفا وثن يدعى أساف ، ووثن على المروة يدعى نائلة ، وكان أهل الجاهلية يسعون بينهما ويمسحون الوثنين ، فلما جاء الإسلام أمسك المسلمون عن السعي بينهما فنزلت هذه الآية.
قلت : فقد بان بهذا أن المسلمين إنما امتنعوا عن الطواف لأجل الصنمين ، فرفع الله عزوجل الجناح عمن طاف بينهما ، لأنه إنما يقصد تعظيم الله تعالى بطوافه دون الأصنام.
ذكر الآية العاشرة :
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) إلى قوله : (اللَّاعِنُونَ) [البقرة : ١٥٩] قد زعم قوم من القراء الذين قل حظهم من علم العربية والفقه أن هذه الآية منسوخة بالاستثناء بعدها ، ولو كان لهم نصيب من ذلك ، لعلموا أن الاستثناء ليس بنسخ ، وإنما هو إخراج بعض ما شمله اللفظ ، وينكشف هذا من وجهين :
الأول : أن الناسخ والمنسوخ لا يمكن العمل بأحدهما إلا بترك العمل بالآخر ، وهاهنا يمكن العمل بالمستثنى والمستثنى منه.
والثاني : أن الجمل إذا دخلها الاستثناء بثبت أن المستثنى لم يكن
__________________
(١) أخرجه الواحدي في «الوسيط» كما في «العجاب» (١ / ٤١٠) وابن جرير الطبري في «تفسيره» (٣ / ٢٣١ / ٢٣٣٥).
وداود هو ؛ ابن أبي هند.
وعامر ؛ هو : الشعبي.