الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) وهذا قول الزجاج.
والثاني : أنه اختاره ليتألف أهل الكتاب ، قاله : أبو جعفر بن جرير الطبري.
قلت : فإذا ثبت أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم اختار بيت المقدس فقد وجب استقباله بالسنة ، ثم نسخ ذلك بالقرآن.
والتحقيق في هذه الآية أنها أخبرت أن الإنسان أين تولى بوجهه فثم وجه الله ، فيحتاج مدّعي نسخها أن يقول : فيها إضمار ، تقديره : (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) [البقرة : ١٥٠] في الصلاة أين شئتم ثم نسخ ذلك المقدر ، وفي هذا بعد ، والصحيح إحكامها.
ذكر الآية الثامنة :
قوله تعالى : (وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) [البقرة : ١٣٩] قد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذا الكلام اقتضى نوع مساهلة للكفار ثم نسخ بآية السيف ، ولا أرى هذا القول صحيحا ، لأربعة أوجه :
الأول : أن معنى الآية : أتخاصموننا في دين الله؟ وكانوا يقولون : نحن أولى بالله منكم ، لأننا أبناء الله وأحباؤه ، ومنا كانت الأنبياء ، وهو ربنا وربكم ؛ أي : نحن كلنا في حكم العبودية سواء ، فكيف يكونون أحق به؟ (وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) أي لا اختصاص لأحد به إلا من جهة الطاعة والعمل ، وإنما يجازي كل منا بعمله ، ولا تنفع الدعاوي وعلى هذا البيان لا وجه للنسخ.
والثاني : أنه خبر خارج مخرج الوعيد والتهديد.
والثالث : أنا قد علمنا أعمال أهل الكتاب وعليها أقررناهم.
والرابع : أن المنسوخ ما لا يبقى له حكم ، وحكم هذا الكلام لا يتغير فإن كل عامل له جزاء عمله ، فلو ورد الأمر بقتالهم لم يبطل تعلق أعمالهم بهم.
ذكر الآية التاسعة :
قوله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) [البقرة : ١٥٨].
قد ذكر عن بعض المفسرين أنه قال : معنى الآية فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما. قال : ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) [البقرة : ١٣٠] والسعي بينهما من ملة إبراهيم.
قلت : وهذا قول مردود ، لا يصلح الالتفات إليه ، لأنه يوجب إضمارا في الآية ، ولا يحتاج إليه ، وإن كان قد قرئ به فإنه مروي عن ابن مسعود ، وأبي بن