مرادا دخوله في الجملة السابقة ، وما لا يكون مرادا باللفظ الأول لا يدخل عليه النسخ.
ذكر الآية الحادية عشر:
قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) [البقرة : ١٧٣]. ذهب جماعة من مفسّري القرآن إلى أن أول هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) [البقرة : ١٧٣].
وزعم بعضهم أنه إنما نسخ منها حكم الميتة والدم ، بقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «أحلّت لنا ميتتان ودمان ؛ السمك والجراد ، والكبد والطحال» (١). وكلا القولين باطل ، لأن الله تعالى استثنى من التحريم حال الضرورة ، والنبي صلىاللهعليهوسلم استثنى بالتخصيص ما ذكره في الحديث ولا وجه للنسخ بحال.
__________________
(١) أخرجه أحمد (٢ / ٩٧) أو رقم (٥٧٢٣) ـ شاكر ـ وابن ماجة (٣٢١٨ ، ٣٣١٤) والبيهقي في «السنن» (١ / ٢٥٤) وعبد بن حميد في «المنتخب من المسند» (٨٢٠) والبغوي في «شرح السنة» (١١ / ٢٤٤) والشافعي في «مسنده : (ص ٢٤٠ ـ العلمية) والدارقطني (٢ / ٢٧١) وابن عدي في «الكامل» (٤ / ١٥٨٢). من طريق : عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن ابن عمر مرفوعا.
وإسناده ضعيف ؛ لأجل عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وهو ضعيف جدا.
وتابعه أخوه عبد الله عند الدارقطني (٢ / ٢٧٢) وابن عدي في «الكامل» (٤ / ١٥٠٣) والبيهقي (١ / ٢٥٤) وكذا أخوه أسامة.
قال البيهقي : «أولاد زيد كلهم ضعفاء ، جرحهم يحيى بن معين ، وكان أحمد بن حنبل وعلي بن المديني يوثقان عبد الله بن زيد ، إلا أن الصحيح من هذا الحديث الأول».
قلت : يريد الموقوف على ابن عمر ، فقد أخرجه (١ / ٢٥٤) من طريق : ابن وهب ، عن سليمان بن بلال ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر موقوفا.
وأخرجه الخطيب البغدادي في «تاريخه» (١٣ / ٢٤٥) من طريق : يحيى بن حسان ، عن مسور بن الصلت ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري مرفوعا ، بنحو منه.
وإسناده ضعيف جدا لأجل مسور بن الصلت ؛ فهو متروك كما قال النسائي وغيره.
خلاصة القول أن الحديث لم يصحّ مرفوعا ، ولكنه صحّ موقوفا والموقوف هنا له حكم المرفوع ، لأن قول الصحابي : «أحلّ لنا كذا» أو «حرم علينا كذا». هو من نوع المرفوع كما هو مقرر في الأصول.
والحديث صحّحه موقوفا ؛ أبو حاتم الرازي والدارقطني والبيهقي والنووي وابن حجر وأحمد شاكر والألباني وغيرهم.
انظر «المجموع» (٩ / ٢٥) و «التلخيص الحبير» (١ / ٣٦) و «فتح الباري» (٩ / ٥٣٦) و «كشف الخفاء» (١ / ٦٠ ـ ٦١ / ١٤٨) و «نصب الراية» (٤ / ٢٠٢) وتعليق العلامة أحمد شاكر على «المسند» (٨ / ١٠٢ ـ ١٠٥ / ٥٧٢٣) فقد أسهب في الكلام على الحديث و «الصحيحة» (١١١٨).