وقولها والركاب واقفة |
|
تتركني هكذا وتنطلق |
أي : أتتركني ، يقول تمنّ عليّ أن ربيتني وتنسى جنايتك على بني إسرائيل بالاستبعاد والمعاملات القبيحة؟ أو يريد : كيف تمنّ عليّ بالتربية وقد استبعدت قومي ، ومن أهين قومه ذلّ ، فتعبيدك بني إسرائيل قد أحبط إحسانك إليّ ، وقيل : معناه تمنّ علي بالتربية. وقوله : (أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : باستعبادك بني إسرائيل وقتلك أولادهم ، دفعت إليك حتى ربيتني وكفلتني ولو لم تستعبدهم وتقتلهم كان لي من أهل من يربيني ولم يلقوني في اليم ، فأي نعمة لك عليّ؟ قوله (عَبَّدْتَ) أي اتخذتهم عبيدا ، يقال عبدت فلانا وأعبدته وتعبدته واستعبدته ، أي اتخذته عبدا.
(قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣))
(قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢٣) ، يقول : أي شيء رب العالمين الذي تزعم أنك رسوله إليّ يستوصفه إلهه الذي أرسله إليه مما هو [وهو](١) سؤال عن جنس الشيء ، والله منزّه عن الجنسية ، فأجابه موسى عليهالسلام يذكر أفعاله التي يعجز [الخلق](٢) عن الإتيان بمثلها :
(قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) (٢٤) ، أنه خلقها (٣). قال أهل المعاني : أي كما توقنون هذه الأشياء التي تعاينونها فأيقنوا أن إله الخلق هو الله عزوجل ، فلما قال موسى ذلك تحير فرعون في جواب موسى.
(قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ) ، من أشراف قومه. قال ابن عباس : كانوا خمس مائة رجل عليهم الأسورة ، قال لهم فرعون استبعادا لقول موسى ، (أَلا تَسْتَمِعُونَ) ، وذلك أنهم كانوا يعتقدون أن آلهتهم ملوكهم ، فزادهم موسى في البيان.
(قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (٢٦).
(قالَ) ، يعني فرعون ، (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) ، يتكلم بكلام لا نعقله ولا نعرف صحته ، وكان عندهم أن من لا يعتقد ما يعتقدون ليس بعاقل ، فزاد موسى في البيان : (قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (٢٨).
(قالَ) ، فرعون حين لزمته الحجة وانقطع عن الجواب تكبرا عن الحق.
(لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) ، أي : المحبوسين ، قال الكلبي : كان سجنه أشد من القتل ، لأنه كان يأخذ الرجل فيطرحه في مكان وحده فردا لا يسمع ولا يبصر فيه شيئا من عمقه ، يهوي [به](٤) في الأرض.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «إنه خلقهما».
(٤) زيادة عن المخطوط.