وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦))
(وَقالَ الرَّسُولُ) ، يعني : ويقول الرسول في ذلك اليوم : (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) ، يعني متروكا فأعرضوا عنه ، ولم يؤمنوا به ولم يعملوا بما فيه.
وقيل : جعلوه بمنزلة الهجر وهو الهذيان ، والقول السيئ ، فزعموا أنه شعر وسحر ، وهو قول النخعي ومجاهد. وقيل : قال الرسول يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم يشكو قومه إلى الله : يا رب إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا فعزّاه الله تعالى [في الأمم السالفة](١) فقال :
(وَكَذلِكَ جَعَلْنا) ، يعني كما جعلنا لك أعداء من مشركي قومك كذلك جعلنا ، (لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) ، يعني المشركين. قال مقاتل : يقول لا يكبرون عليك فإن الأنبياء قبلك قد لقوا هذا من قومهم فاصبر لأمري كما صبروا فإني ناصرك وهاديك ، (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً).
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) ، كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود ، قال الله سبحانه وتعالى : (كَذلِكَ) ، فعلنا ، (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) ، يعني أنزلناه مفرقا ليقوى به قلبك فتعيه وتحفظه فإن الكتب أنزلت على الأنبياء يكتبون ويقرءون ، وأنزل الله القرآن على نبي أمي لا يكتب ولا يقرأ ، ولأن من القرآن الناسخ والمنسوخ ، ومنه ما هو جواب إن سأل عن أمور ففرقناه ليكون أوعى لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وأيسر على العامل به. (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) ، قال ابن عباس بيناه بيانا ، والترتيل التبيين في ترتل وتثبت (٢). وقال السدي : فصلناه تفصيلا. وقال مجاهد : بعضه في إثر بعض. وقال النخعي والحسن [وقتادة](٣) فرقناه تفريقا آية بعد آية.
(وَلا يَأْتُونَكَ) ، يا محمد يعني هؤلاء المشركين ، (بِمَثَلٍ) ، يضربونه في إبطال أمرك (إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِ) ، يعني بما ترد به ما جاءوا به من المثل وتبطله [عليهم](٤) ، فسمي ما يردون من الشبه مثلا ، وسمي ما يدفع به الشبه حقا ، (وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) ، يعني بيانا وتفصيلا ، والتفسير تفعيل من الفسر وهو كشف ما قد غطي ، ثم ذكر ما لهؤلاء المشركين فقال :
(الَّذِينَ) ، أي : هم الذين ، (يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ) ، فيساقون ويجرون ، (إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً) ، أي مكانة ومنزلة ، ويقال منزلا ومصيرا ، (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) ، أخطأ طريقا.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً) (٣٥) [أي] معينا وظهيرا.
(فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) ، يعني القبط ، (فَدَمَّرْناهُمْ) ، فيه إضمار ، أي : فكذبوهما فدمرناهم ، (تَدْمِيراً) ، [أي] أهلكناهم إهلاكا.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط «ترتيل وتثبيت».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.