وقيل : نزلت في ابتلاء الشريف بالوضيع ، وذلك أن الشريف إذا أراد أن يسلم فرأى الوضيع قد أسلم قبله أنف ، وقال أسلم بعده فيكون له عليّ السابقة والفضل ، فيقيم على كفره ويمتنع من الإسلام ، فذلك افتتان بعضهم ببعض ، وهذا قول الكلبي.
وقال مقاتل : نزلت في أبي جهل والوليد بن عقبة والعاص بن وائل والنضر بن الحارث. وذلك أنهم لما رأوا أبا ذر وابن مسعود وعمارا وبلالا وصهيبا وعامر بن فهيرة وذويهم قالوا نسلم فنكون مثل هؤلاء (١).
وقال مقاتل : نزلت في ابتلاء فقراء المؤمنين بالمستهزئين من قريش ، كانوا يقولون انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمدا من موالينا وأراذلنا ، فقال الله تعالى لهؤلاء المؤمنين : (أَتَصْبِرُونَ) يعني على هذه الحال من الفقر والشدة والأذى ، (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) ، بمن صبر وبمن جزع.
[١٥٥٧] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسن [الحيري](٢) أنا أبو العباس الأصم ثنا زكريا بن يحيى المروزي ثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والجسم فلينظر إلى من [هو](٣) دونه في المال والجسم».
(وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣))
(وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) ، أي لا يخافون البعث ، قال الفراء : الرجاء بمعنى الخوف لغة تهامة ، ومنه قوله تعالى : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) (١٣) [نوح : ١٣] أي : لا تخافون لله عظمة. (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) ، فيخبرونا (٤) أن محمدا صادق ، (أَوْ نَرى رَبَّنا) ، فيخبرنا بذلك ، (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا) ، أي تعظموا. (فِي أَنْفُسِهِمْ) ، بهذه المقالة ، (وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً). قال مجاهد : عتوا طغوا [قال مقاتل : عتوا غلوا](٥) في القول والعتو أشد الكفر وأفحش الظلم ، وعتوهم طلبهم رؤية الله حتى يؤمنوا به.
__________________
[١٥٥٧] ـ صحيح ، إسناده حسن ، زكريا بن يحيى صدوق حسن الحديث ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٩٥ بهذا الإسناد.
ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٢٤٣ وابن حبان ٧١٤ من طريق سفيان بن عيينة بنحوه.
ـ وأخرجه البخاري ٦٤٩٠ ومسلم ٢٩٦٣ ج ٨ يقين عن أبي الزناد به.
ـ وأخرجه مسلم ٢٩٦٣ وعبد الرزاق ٧١٤ وأحمد ٢ / ٣١٤ وابن حبان ٧١٢ من طريق معمر عن همام عن أبي هريرة بلفظ : «إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق ، فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضّل عليه».
وانظر الحديث المتقدم في سورة الحجر عند آية : ٨٨.
(١) عزاه المصنف لمقاتل ، وإسناده إليه أول الكتاب ، وهو معضل ، ومقاتل إن كان ابن حبان ففيه ضعف ، وإن كان ابن سليمان فهو كذاب ، وبكل حال الخبر غير حجة.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «فتخبرنا».
(٥) زيادة عن المخطوط.