كقوله : (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : ٣٨] معناه أن العمى الضار هو عمى القلب ، فأمّا عمى البصر فليس بضار في أمر الدين ، قال قتادة : البصر الظاهر بلغة ومتعة وبصر القلب هو البصر النافع.
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) ، نزلت في النضر بن الحارث حيث قال : إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء. (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) ، فأنجز ذلك يوم بدر. (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) ، قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي يعدون بالياء هاهنا لقوله : (يستعجلونك) ، وقرأ الباقون بالتاء لأنه أعم ولأنه خطاب للمستعجلين والمؤمنين واتفقوا في تنزيل السجدة [٥] أنه بالتاء ، قال ابن عباس : يعني يوما من الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض. وقال مجاهد وعكرمة : يوما من أيام الآخرة ، والدليل عليه ما :
[١٤٦٦] روي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أبشروا يا معشر (١) صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذلك مقداره خمسمائة سنة».
قال ابن زيد : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) هذه أيام الآخرة. وقوله : (كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج : ٤] يوم القيامة (٢). والمعنى على هذا أنهم يستعجلون بالعذاب [في الدنيا](٣) ، وإن يوما من أيام عذابهم في الآخرة ألف سنة.
وقيل : معناه وإن يوما من أيام العذاب الذي استعجلوه في الثقل والاستطالة والشدة كألف سنة مما تعدون ، فكيف تستعجلونه هذا؟ كما يقال : أيام الهموم طوال ، وأيام السرور قصار.
وقيل : معناه إن يوما عنده وألف سنة في الإمهال سواء لأنه قادر متى شاء أخذهم لا يفوته شيء بالتأخير فيستوي في قدرته وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخره ، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٥١))
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها) ، يعني أمهلتها ، (وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ).
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ)
فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٥٠) ، الرزق الكريم : الذي لا ينقطع أبدا. وقيل : هو الجنة.
(وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا) ، يعني عملوا في إبطال آياتنا ، (مُعاجِزِينَ) ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو «معجّزين» بالتشديد هاهنا وفي سورة سبأ [٥] يعني مثبطين الناس عن الإيمان ، وقرأ الآخرون «معاجزين» بألف أي يعني معاندين مشاقين.
__________________
[١٤٦٦] ـ تقدم في تفسير سورة الأنعام عند آية : ٥٣.
(١) في المطبوع «معاشر».
(٢) زيد في النسخ «مما تعدون» وليس في المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.