بعد إتيانها أن نهلكهم ولا نمهلهم ، وقد حكمنا بإمهال هذه الأمة في العذاب ، فقال جلّ ذكره : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) (٦٤) [القمر : ٤٦] ، ثم قال : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) ، مضيئة مبينة (١) ، (فَظَلَمُوا بِها) ، أي : جحدوا بها أنها من عند الله كما قال : (بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) [الأعراف : ٩] ، أي : يجحدون. وقيل : ظلموا أنفسهم بتكذيبها يريد فعاجلناهم بالعقوبة. (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ) أي : العبر والدلالات ، (إِلَّا تَخْوِيفاً) ، للعباد ليؤمنوا قال قتادة : إن الله تعالى يخوّف الناس بما شاء من آياته لعلّهم يرجعون.
قوله عزوجل : (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) ، أي : هم في قبضته لا يقدرون على الخروج عن مشيئته فهو حافظك ومانعك منهم فلا تهبهم وامض إلى ما أمر الله به من تبليغ الرسالة ، كما قال : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] ، (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) ، فالأكثرون على أن المراد منه ما رأى النبي صلىاللهعليهوسلم ليلة المعراج من العجائب والآيات. قال ابن عباس : هي رؤيا عين أريها النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو قول سعيد بن جبير والحسن ومسروق وقتادة ومجاهد وعكرمة وابن جريج والأكثرين. والعرب تقول : رأيت بعيني رؤية ورؤيا ، فلما ذكرها رسول الله صلىاللهعليهوسلم للناس أنكر بعضهم ذلك ، وكذبوا وكان فتنة للناس. وقال قوم : أسري بروحه دون بدنه. وقال بعضهم : كان له معراجان رؤية بالعين ومعراج رؤيا بالقلب ، وقال قوم : أراد بهذه الرؤيا ما رأى صلىاللهعليهوسلم عام الحديبية أنه دخل مكة هو وأصحابه فجعل السير إلى مكة قبل الأجل فصدّه المشركون ، فرجع إلى المدينة وكان رجوعه في ذلك العام بعد ما أخبر أنه يدخلها (٢) فتنة لبعضهم ، حتى دخلها في العام المقبل ، فأنزل الله تعالى : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) [الفتح : ٢٧] ، (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) ، يعني شجرة الزقوم ، مجازه والشجرة الملعونة المذكورة في القرآن ، والعرب تقول لكل طعام كريه : طعام ملعون. وقيل : معناه الملعون أهلها (٣) ، ونصب الشجرة عطفا على الرؤيا ، أي : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة إلا فتنة للناس ، فكانت الفتنة في الرؤيا ما ذكرنا ، والفتنة في الشجرة الملعونة من وجهين :
أحدهما أن أبا جهل قال : إن ابن أبي كبشة يوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم أنه ينبت فيها شجرة ، وتعلمون أن النار تحرق الشجر.
والثاني : أن عبد الله بن الزبعرى قال : إن محمدا يخوفنا بالزقوم ولا نعرف الزقوم إلا الزبد والتمر.
وقال أبو جهل : يا جارية تعالي فزقمينا فأتت بالتمر والزبد ، فقال : يا قوم تزقموا فإن هذا ما يخوفكم به محمد ، فوصفها الله تعالى في الصافات [٦٢]. وقيل : الشجرة الملعونة هي التي تلتوي على الشجر فتخنقه (٤) ، يعني الكشوث ، (وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ) ، التخويف ، (إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) أي : تمردا وعتوا عظيما في قوله عزوجل :
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣))
__________________
(١) في المطبوع «بينة».
(٢) زيد في المطبوع «فكان رجوعه».
(٣) في المطبوع و ـ ط «أكلها».
(٤) في المخطوط و ـ ط «فتجففه».