أما المعقول :
فكيف يسوغ فيه أن يهلك الله ولد نوح لكفره ، وأبوه نبي الأمة وزعيم أهل الإيمان ،
ولا يهلك عوج بن عنق ، ويقال عناق ، وهو أظلم وأطغى على ما ذكروا؟
وكيف لا يرحم
الله منهم أحدا ولا أم الصبي ولا الصبي ، ويترك هذا الدعي الجبار العنيد الفاجر ، الشديد الكافر ، الشيطان المريد
على ما ذكروا؟
وأما المنقول
فقد قال الله تعالى : (ثُمَّ أَغْرَقْنَا
الْآخَرِينَ) وقال : (رَبِّ لا تَذَرْ
عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً)
ثم هذا الطول
الذي ذكروه مخالف لما في الصحيحين عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال :
«إن الله خلق
آدم وطوله ستون ذراعا ، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن.
فهذا نص الصادق
المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى (إِنْ هُوَ إِلَّا
وَحْيٌ يُوحى)
[٥٣ / النجم :
٤]
إنه لم يزل
الخلق ينقص حتى الآن ، أي لم يزل الناس في نقصان في طولهم من آدم إلى يوم إخباره
بذلك وهلم جرا إلى يوم القيامة. وهذا يقتضي أنه لم يوجد من ذرية آدم من كان أطول
منه.
فكيف يترك هذا
ويذهل عنه ويصار إلى أقوال الكذبة الكفرة من أهل الكتاب ، الذين بدلوا كتب الله
المنزلة وحرفوها وأولوها ووضعوها على غير مواضعها؟ فما ظنك بما هم يستقلون بنقله
أو يؤتمنون عليه [وهم الخونة والكذبة عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة] وما أظن أن هذا الخبر عن عوج بن عناق إلا اختلاقا من
بعض زنادقتهم وفجارهم الذين كانوا أعداء الأنبياء والله أعلم.
* * *
ثم ذكر الله
تعالى مناشدة نوح ربه في ولده ، وسؤاله له عن غرقه على وجه الاستعلام والاستكشاف.
ووجه السؤال :
أنك وعدتني بنجاة أهلي معي وهو منهم وقد غرق؟ فأجيب بأنه ليس من أهلك ، أي الذين
وعدت بنجاتهم. أي إنا قلنا لك : (وَأَهْلَكَ إِلَّا
مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ) فكان هذا ممن سبق عليه القول منهم بأنه سيغرق بكفره ،
ولهذا ساقته الأقدار إلى أن انحاز عن حوزة أهل الإيمان ، فغرق مع حزبه أهل الكفر
والطغيان.
__________________