وقال تعالى : (وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ* فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ* وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.)
[٥٤ / القمر : ١٥ ـ ١٧]
وقال تعالى : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً* وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً* إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً.)
[١٧ / نوح : ٢٥ ـ ٢٧]
وقد استجاب الله تعالى ـ وله الحمد والمنة ـ دعوته ؛ فلم يبق منهم عين تطرف.
وقد روى الإمامان أبو جعفر بن جرير وأبو محمد بن أبي حاتم في تفسيريهما من طريق يعقوب ابن محمد الزهري ؛ عن قائد مولى عبد الله بن أبي رافع ؛ أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة أخبره أن عائشة أم المؤمنين أخبرته أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «فلو رحم الله من قوم نوح أحدا لرحم أم الصبي!».
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «مكث نوح عليهالسلام في قومه ألف سنة ـ يعني إلا خمسين عاما ـ وغرس مائة سنة الشجر ، فعظمت وذهبت كل مذهب ؛ ثم قطعها ثم جعلها سفينة ؛ ويمرون عليه ويسخرون منه ؛ ويقولون تعمل سفينة في البر : كيف تجري؟ قال : سوف تعلمون.
فلما فرغ ونبع الماء وصار في السكك خشيت أم الصبي عليه وكانت تحبه حبا شديدا.
فخرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه ؛ فلما بلغها الماء خرجت به حتى استوت على الجبل ؛ فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها فغرقا ؛ فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم الصبي!» (١)
وهذا حديث غريب. وقد روي عن كعب الأحبار ومجاهد وغير واحد شبيه لهذه القصة وأحرى بهذا الحديث أن يكون موقوفا متلقى عن مثل كعب الأحبار والله أعلم.
* * *
والمقصود أن الله لم يبق من الكافرين ديارا.
فكيف يزعم بعض المفسرين أن عوج بن عنق ـ ويقال ابن عناق ـ كان موجودا من قبل نوح إلى زمان موسى. ويقولون : كان كافرا متمردا جبارا عنيدا. ويقولون : كان لغير رشدة ، بل ولدته أمه بنت آدم من زنا ، وأنه كان يأخذ من طوله السمك من قرار البحار ويشويه في عين الشمس ، وأنه كان يقول لنوح وهو في السفينة : ما هذه القصعة التي لك ويستهزىء به. ويذكرون أنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلثا إلى غير ذلك من الهذيانات التي لو لا أنها مسطرة في كثير من كتب التفاسير وغيرها من التواريخ وأيام الناس لما تعرضنا لحكايتها ، لسقاطتها وركاكتها. ثم إنها مخالفة للمعقول والمنقول.
__________________
(١) رواه الطبري في تاريخه (١ / ١٨٠ / معارف).