قَلِيلٌ) هذا مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ، ودعوتهم الأكيدة ليلا ونهارا بضروب المقال وفنون التلطفات والتهديد والوعيد تارة والترغيب والوعيد أخرى.
وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة.
فعن ابن عباس : كانوا ثمانين نفسا معهم نساؤهم ، وعن كعب الأحبار كانوا اثنين وسبعين نفسا. وقيل كانوا عشرة.
وقيل إنما كانوا نوحا وبنيه الثلاثة وكنائنه الأربع بامرأة «يام» الذي انخزل وانعزل ، وسلك (١) عن طريق النجاة فما عدل إذ عدل.
وهذا القول فيه مخالفة لظاهر الآية ، بل هي نص في أنه قد ركب معه [من](٢) غير أهله طائفة ممن آمن به ، كما قال : (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.)
وقيل كانوا سبعة.
وأما امرأة نوح وهي أم أولاده كلهم : وهم حام وسام ، ويافث ، ويام ، ويسميه أهل الكتاب كنعان وهو الذي قد غرق ، وعابر ، فقد ماتت قبل الطوفان ، وقيل إنها غرقت مع من غرق ، وكانت ممن سبق عليه القول لكفرها.
وعند أهل الكتاب أنها كانت في السفينة ، فيحتمل أنها كفرت بعد ذلك ، أو أنها أنظرت إلى يوم القيامة. والظاهر الأول لقوله : (لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً.)
* * *
وقال تعالى : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ.)
[٢٣ / المؤمنون : ٢٨ ـ ٢٩]
أمره أن يحمد ربه على ما سخّر له من هذه السفينة ، فنجاه بها وفتح بينه وبين قومه ، وأقر عينه ممن خالفه وكذبه.
كما قال تعالى : (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ* لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ.)
[٤٣ / الزخرف : ١٢ ـ ١٤]
وهكذا يؤمر بالدعاء في ابتداء الأمور : أن يكون على الخير والبركة ، وأن تكون عاقبتها محمودة.
__________________
(١) م : وتسلل.
(٢) سقطت من م.