عند ذلك فاحمل فيها من كل زوجين اثنين ، وهذا قول غريب.
وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ.)
[١١ / هود : ٤٠]
هذا أمر بأنه (١) عند حلول النقمة بهم أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين.
وفي كتاب أهل الكتاب : أنه أمر أن يحمل من كل ما يؤكل سبعة أزواج ، وما لا يؤكل زوجين : ذكرا وأنثى.
وهذا مغاير لمفهوم قوله تعالى في كتابنا الحق : «اثنين» إن جعلنا ذلك مفعولا به ، وأما إن جعلناه توكيدا لزوجين والمفعول به محذوف فلا ينافي والله أعلم.
وذكر بعضهم ـ ويروى عن ابن عباس : أن أول ما دخل من الطيور الدّرة (٢) ، وآخر ما دخل من الحيوانات الحمار ودخل إبليس متعلقا بذنب الحمار.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، حدثني هشام إبن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لمّا حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين ، قال أصحابه. وكيف نطمئن؟ أو كيف تطمئن المواشي ومعنا الأسد؟ فسلط الله عليه الحمى ، فكانت أول حمى نزلت في الأرض. ثم شكوا الفأرة ، فقالوا :
الفويسقة (٣) تفسد علينا طعامنا ومتاعنا. فأوحى الله إلى الأسد فعطس ، فخرجت الهرة منه فتخبأت الفأرة منها».
هذا مرسل.
وقوله : (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) أي من استجيبت فيهم الدعوة النافذة ممن كفر ، فكان منهم ابنه «يام» الذي غرق كما سيأتي بيانه.
(وَمَنْ آمَنَ) أي واحمل فيها من آمن بك من أمتك. قال الله تعالى : (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا
__________________
(١) و : بأن.
(٢) الدرة : بضم الدال المهملة ، الببغاء المتقدمة وهو طائر لونه أخضر وهو في قدر الحمام يتخذها الناس للانتفاع بصوتها.
حياة الحيوان الكبرى الدميري (١ / ١٩٠ ، ٥٩٢ ، ٥٩٣ / ط التحرير). والحيوان للجاحظ (١٥١٥٤٥).
(٣) الفويسقة : الفأرة وقيل سميت فويسقة لخروجها على الناس واغتيالها إياهم في أموالهم بالفساد ، وأصل الفسق : الخروج ، ومن هذا سمي الخارج عن الطاعة فاسقا. وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وأ ، بو داود والترمذي عن جابر أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «خمروا الآنية ، وأوكئوا الأسقية ، وأجيفوا الأبواب ، وكفوا صبيانكم ، فإن الجن سيارة خطفة. وأطفئوا المصابيح عند الرقاد فإن الفويسقة ربما أخذت الفتيلة وأحرقت أهل البيت». عن حياة الحيوان الكبرى للدميري (٢ / ٣٩٩ / التحرير).