وقد قال بعض علماء السلف : لما استجاب الله له ، أمره أن يغرس شجرا ليعمل منه السفينة ، فغرسه وانتظره مائة سنة ، ثم نجره في مائة أخرى ، وقيل في أربعين سنة. والله أعلم.
قال محمد بن إسحاق عن الثّوري : وكانت من خشب الساج ، وقيل من الصنوبر وهو نص التوراة.
قال الثّوري : وأمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعا ، وأن يعلي ظاهرها وباطنها بالقار ، وأن يجعل لها جؤجؤا أزور يشق الماء.
وقال قتادة : كان طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين ذراعا. وهذا الذي في التوراة على ما رأيته وقال الحسن البصري : ستمائة في عرض ثلاثمائة وعن ابن عباس ألف ومائتا ذراع في عرض ستمائة ذراع وقيل كان طولها ألفي ذراع ، وعرضها مائة ذراع.
قالوا كلهم : وكان ارتفاعها ثلاثين ذراعا ، وكانت ثلاث طبقات كل واحدة عشرة أذرع ، فالسفلى للدواب والوحوش ، والوسطى للناس ، والعليا للطيور. وكان بابها في عرضها ، ولها غطاء من فوقها مطبق عليها.
* * *
قال الله تعالى : (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ* فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا.) [٢٣ / المؤمنون : ٢٦ ـ ٢٧]
أي بأمرنا لك ، وبمرأى منا لصنعتك لها ، ومشاهدتنا لذلك ، لنرشدك إلى الصواب في صنعتها.
فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ، ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون».
فتقدّم إليه بأمره العظيم العالي أنه إذا جاء أمره وحلّ بأسه ، أن يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات ، وسائر ما فيه روح من المأكولات وغيرها لبقاء نسلها ، وأن يحمل معه أهله ، أي أهل بيته ، إلا من سبق عليه القول منهم ، أي إلا من كان كافرا فإنه قد نفذت فيه الدعوة التي لا تردّ ، ووجب عليه حلول البأس الذي لا يردّ وأمر أنه لا يراجعه فيهم إذا حلّ بهم ما يعاينه من العذاب العظيم ، الذي قد حتّمه عليهم الفعّال لما يريد. كما قدمنا بيانه قبل.
والمراد بالتّنور عند الجمهور وجه الأرض ، أي نبعت الأرض من سائر أرجائها حتى نبعت التنانير التي هي محالّ النار. وعن ابن عباس : التنور عين في الهند ، وعند الشعبي بالكوفة ، وعن قتادة بالجزيرة.
وقال علي بن أبي طالب : المراد بالتنور فلق الصبح وتنوير الفجر ، أي إشراقه وضياؤه. أي