وقد كانت سجاياهم الكفر الغليظ والعناد البالغ في الدنيا ، وهكذا في الآخرة فإنهم يجحدون أيضا أن يكون جاءهم رسول.
كما قال البخاري : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يجيء نوح عليهالسلام وأمته ، فيقول الله عزوجل : هل بلغت؟ فيقول : نعم أي رب. فيقول لأمته : هل بلغكم؟ فيقولون : لا ، ما جاءنا من نبي ، فيقول لنوح : من يشهد لك؟ فيقول : محمد وأمته ، فنشهد أنه قد بلغ» (١).
وهو قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.)
[٢ / البقرة : ١٤٣]
والوسط العدل فهذه الأمة تشهد على شهادة نبيها الصادق المصدوق ، بأن الله قد بعث نوحا بالحق ، وأنزل عليه الحقّ وأمره به ، وأنه بلّغه إلى أمته على أكمل الوجوه وأتمها ، ولم يدع شيئا مما ينفعهم في دينهم إلا وقد أمرهم به ، ولا شيئا مما قد يضرهم إلا وقد نهاهم عنه وحذرهم منه.
وهكذا شأن جميع الرسل ، حتى إنه حذّر قومه المسيح الدجال ، وإن كان لا يتوقع خروجه في زمانه ؛ حذرا عليهم وشفقة ورحمة بهم.
كما قال البخاري : حدثنا عبدان ، حدثنا عبد الله ، عن يونس ، عن الزهري ، قال سالم قال ابن عمر : قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم ذكر الدجال فقال : «إني لأنذركموه ، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه. لقد أنذر نوح قومه ، ولكني أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه : تعلمون أنه أعور ، وأن الله ليس بأعور» (٢).
وهذا الحديث في الصحيحين أيضا من حديث شيبان بن عبد الرحمن عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ألا أحدثكم عن الدجال حديثا ما حدّث نبيّ قومه؟ إنه أعور وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار والتي يقول عليها الجنة هي النار ، وإني أنذركم كما أنذر به نوح قومه» (٣).
لفظ البخاري.
__________________
(١) الحديث رواه البخاري في صحيحه (٦٠ / ٣ / ٣٣٣٩ / فتح). ورواه أحمد في مسنده (٣ / ٣٢ / حلبي). ورواه السيوطي في الفتح الكبير (٣ / ٤١٥) وقال : رواه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي.
(٢) الحديث رواه البخاري في صحيحه (٩٢ / ٢٦ / ٧١٢٧ / فتح). ورواه السيوطي في الفتح الكبير (١ ـ ٤٥٨) وقال : رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن ابن عمر.
(٣) الحديث رواه مسلم في صحيحه (٥٢ / ٢٠ / ١٠٩) واللفظ له. ورواه السيوطي في الفتح الكبير (١ / ٤٧٣) وقال رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.