عن شجرة فعصيت ، نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى نوح.
فيأتون نوحا فيقولون : يا نوح ، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض ، وسماك الله عبدا شكورا ، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربك عزوجل؟
فيقول : ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله ، نفسي نفسي» (١) وذكر تمام الحديث كما أورده البخاري في قصة نوح.
فلما بعث الله نوحا عليهالسلام ، دعاهم إلى إفراد عبادة الله وحده لا شريك له ، وألا يعبدوا معه صنما ولا تمثالا ولا طاغوتا وأن يعترفوا بوحدانيته ، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه ، كما أمر الله تعالى من بعده من الرسل الذين هم كلهم من ذريته :
كما قال تعالى : (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ.)
[٣٧ / الصافات : ٧٧]
وقال تعالى فيه وفي إبراهيم : (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ.)
[٥٧ / الحديد : ٢٦]
أي كل نبي من بعد نوح فمن ذريته. وكذلك إبراهيم.
قال الله تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ.)
[١١ / النحل : ٣٦]
وقال تعالى : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ.)
[٤٣ / الزخرف : ٤٥]
وقال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ.)
[٢١ / الأنبياء : ٢٥]
ولهذا قال نوح لقومه : (اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ، إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) وقال : (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) وقال : (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) وقال : (يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ* أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ) إلى : (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) الآيات الكريمات.
فذكر أنهم دعاهم إلى الله بأنواع الدعوة في الليل والنهار ، والسر والإجهار ، بالترغيب تارة والترهيب أخرى ، وكل هذا لم ينجح فيهم ، بل استمر أكثرهم على الضلالة والطغيان وعبادة الأصنام والأوثان. ونصبوا له العداوة في كل وقت وأوان ، وتنقصوه وتنقصوا من آمن به ، وتوعدوهم بالرجم والإخراج ، ونالوا منهم وبالغوا في أمرهم.
__________________
(١) الحديث رواه مسلم في صحيحه (١ / ٨٤ / ٣٢٢) .. ورواه البخاري (٦٠ / ٣). (٦٥ / ١٧ ، ٥). ورواه أبو داود (٣٩ / ١٦ / حلبي). ورواه الترمذي في سننه (٣٠ / ٢) ، (٣٥ / ١٠). ورواه أحمد في مسنده (٢ / ٣٩٨ ، ٤٣٥ ، ٤٣٦ ـ حلبي).