قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور ، حدثنا الحسن بن موسى ؛ حدثنا يعقوب عن أبي المطهّر ، قال : ذكروا عند أبي جعفر ـ هو الباقر ـ وهو قائم يصلي يزيد بن المهلب ، قال فلما انفتل من صلاته قال : ذكرتم يزيد بن الملهب ، أما إنه قتل في أول أرض عبد فيها غير الله تعالى.
قال ذكر ودّا قال : كان رجلا صالحا (١) ، وكان محببا في قومه ، فلما مات عكفوا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه ، فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبّه في صورة إنسان ثم قال : إني أرى جزعكم على هذا الرجل ، فهل لكم أن أصوّر لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به؟ قالوا نعم فصور لهم مثله ، قال : فوضعوه (٢) في ناديهم وجعلوا يذكرونه فلما رأى ما بهم من ذكره قال : هل أجعل لكم في منزل كلّ واحد منكم تمثالا مثله ليكون له في بيته فتذكرونه؟ قالوا : نعم. قال : فمثّل لكل أهل بيت تمثالا مثله ، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به. قال : وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به. قال : وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوا إلها يعبدونه من دون الله أولاد أولادهم ، فكان أود ما عبد غير الله «ودّ» الصنم الذي سموه ودا.
ومقتضى هذا السياق أن كل صنم من هذه عبده طائفة من الناس وقد ذكر أنه لما تطاولت العهود والأزمان ، جعلوا تلك الصورة تماثيل مجسّدة ليكون أثبت لها (٣) ، ثم عبدت بعد ذلك من دون الله عزوجل. ولهم في عبادتها مسالك كثيرة جدا قد ذكرناها في مواضعها من كتابنا التفسير.
ولله الحمد والمنة.
وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه لما ذكرت عنده أم سلمة وأم حبيبة ، تلك الكنيسة التي رأتاها بأرض الحبشة ، ويقال لها مارية ، وذكرتا من حسنها وتصاوير فيها قال : «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ، ثم صوّروا فيه تلك الصورة ، أولئك شرار الخلق عند الله عزوجل» (٤).
* * *
والمقصود أن الفساد لما انتشر في الأرض وعمّ البلاء بعبادة الأصنام فيها ، بعث الله عبده ورسوله نوحا عليهالسلام ، يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وينهى عن عبادة ما سواه.
فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض ، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي حيان ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم في حديث الشفاعة ، قال : «فيأتون آدم فيقولون : يا آدم أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة ، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فيقول : ربي قد غضب غضبا شديدا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله ، ونهاني
__________________
(١) و : مسلما.
(٢) و : ووضعوه.
(٣) م : لهم.
(٤) الحديث رواه البخاري في صحيحه (٨ / ٤٨ / ٤٢٧ ، ٤٣٤ / فتح). ورواه مسلم في صحيحه (٥ / ٣ / ١٦).
والنسائي في سننه (٨ / ١٣ / التجارية). وأحمد في مسنده (٦ / ٥١ / حلبي).