وروى عن مجاهد قال : قالت مريم كنت إذا خلوت حدثني وكلمني وإذا كنت بين الناس سبح في بطني.
ثم الظاهر أنها حملت به تسعة أشهر كما تحمل النساء ويضعن لميقات حملهن ووضعهن ، إذ لو كان خلاف ذلك لذكر.
وعن ابن عباس وعكرمة أنها حملت به ثمانية أشهر ، وعن ابن عباس ما هو (١) إلا أن حملت به فوضعته ، قال بعضهم : حملت به تسع ساعات واستأنسوا لذلك بقوله : (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا* فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ).
والصحيح أن تعقيب كل شيء بحسبه ، كقوله : (فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) وكقوله تعالى :
(ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ.)
[٢٣ / المؤمنون : ١٤]
ومعلوم أن بين كل حالين أربعين يوم كما ثبت في الحديث المتفق عليه.
قال محمد بن إسحق : شاع واشتهر في بني إسرائيل أنها حامل ، فما دخل على أهل بيت ما دخل على آل بيت زكريا.
قال : واتهمها بعض الزنادقة بيوسف الذي كان يتعبد معها في المسجد ، وتوارت عنهم مريم واعتزلتهم وانتبذت مكانا قصيا. وقوله : (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ) أي فألجأها واضطرها الطلق إلى جذع النخلة ، وهو بنص الحديث الذي رواه النسائي بإسناد لا بأس به عن أنس مرفوعا والبيهقي بإسناد وصححه عن شداد بن أوس مرفوعا أيضا ببيت لحم الذي بنى عليه بعض ملوك الروم فيما بعد على ما سنذكره هذا البناء المشاهد الهائل.
(قالَتْ : يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتن ، وذلك أنه علمت أن الناس يتهمونها ولا يصدقونها بل يكذبونها حين تأتيهم بغلام على يدها ، مع أنها قد كانت عندهم من العابدات الناسكات المجاورات في المسجد المنقطعات إليه المعتكفات فيه ، ومن بيت النبوات والديانة فحملت بسبب ذلك من الهم. ما تمنت أن لو كانت ماتت قبل هذ (٢) الحال أو كانت (نَسْياً مَنْسِيًّا) أي لم تخلق بالكلية.
وقوله : (فَناداها مِنْ تَحْتِها) وقرىء من تحتها على الخفض ، وفي المضمر قولان : أحدهما أنه جبريل. قاله العوفي عن ابن عباس قال : ولم يتكلم عيسى إلا بحضرة القوم. وبهذا قال سعيد بن جبير وعمرو بن ميمون والضحاك والسدي وقتادة. وقال مجاهد والحسن وابن زيد وسعيد بن جبير في رواية : هو ابنها عيسى. واختاره ابن جرير.
__________________
(١) م : يدل. وما أثبته من و.
(٢) و : هذه.