وقوله : (أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا). قيل النهر وإليه ذهب الجمهور. وجاء فيه حديث رواه الطبراني لكنه ضعيف واختاره ابن جرير وهو الصحيح وعن الحسن والربيع بن أنس وابن أسلم وغيرهم أنه ابنها. والصحيح الأول لقوله : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) فذكر الطعام والشراب ولهذا قال : (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً).
ثم قيل : كان جذع النخلة يابسا وقيل كانت نخلة مثمرة فالله أعلم. ويحتمل أنها كانت نخلة ، ولكنها مثمرة إذ ذاك ، لأن ميلاده كان في زمن الشتاء وليس ذاك وقت ثمر ، وقد يفهم ذلك من قوله تعالى على سبيل الامتنان (تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا).
قال عمرو بن ميمون : ليس شيء أجود (١) للنفساء من التمر والرطب ثم تلا هذه الآية.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا شيبان ، حدثنا مسرور بن سعيد التميمي ، حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (٢) عن عروة بن رويم عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم وليس من الشجر شيء يلقح غيرها» (٣). وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أطعموا نساءكم الولد الرطب ، فإن لم يكن رطب فتمر ، وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران».
وكذا رواه أبو يعلي في مسنده عن شيبان بن فروخ ، عن مسروق بن سعيد. وفي رواية مسرور بن سعد. والصحيح مسرور بن سعيد التميمي ، أورد له ابن عدي هذا الحديث عن الأوزاعي به. ثم قال : وهو منكر الحديث ولم أسمع بذكره إلا في هذا الحديث.
وقال ابن حبان : يروى عن الأوزاعي المناكير الكثيرة التي لا يجوز الاحتجاج بمن يرويها.
وقوله : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا).
وهذا من تمام كلام الذي ناداها من تحتها قال : (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) أي فإن رأيت أحدا من الناس (فَقُولِي) له أي بلسان الحال والإشارة (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) ، أي صمتا ، وكان من صومهم في شريعتهم ترك الكلام والطعام. قاله قتادة والسدي وابن أسلم. ويدل على ذلك قوله : (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) فأما في شريعتنا فيكره للصائم صمت يوم إلى الليل.
وقوله تعالى : (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا* يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا.)
[١٩ / مريم : ٢٧ ، ٢٨]
__________________
(١) و : خير.
(٢) م : الأنصاري.
(٣) الحديث رواه ابن عساكر في تاريخ ابن عساكر (٢ / ٣٤٣ / تهذيب). وقال : إسناد هذا الأثر إلى علي رضي الله عنه ليس بقوي وفي متنه اضطراب واختلاف وعدم استقامة لا يليق معها أن يكون من كلام من كرم الله وجهه كيف. وجميع الشجر خلق من الطين الذي خلق منه آدم وهو تراب الأرض وسائر الأشجار تلقح إما بالفعل وإما بواسطة الرياح كما قال تعالى أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ). أ. ه.
ورواه الشوكاني أيضا في الفوائد المجموعة (٤٨٩). وقال حديث ضعيف. وكذا رواه السخاوي في المقاصد الحسنة (٧٩).