البشارة الإلهية لأبيه زكريا عليهالسلام وأن الله علمه الكتاب والحكمة وهو صغير في حال صباه.
قال عبد الله بن المبارك : قال معمر : قال الصبيان ليحيى بن زكريا : اذهب بنا نلعب.
فقال : ما للعب خلقنا. قال : وذلك قوله : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا).
وأما قوله : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) فروى ابن جرير عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال : «لا أدري ما الحنان. وعن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) أي رحمة من عندنا رحمنا بها زكريا فوهبنا له هذا الولد. وعن عكرمة : (وَحَناناً) أي محبة عليه ويحتمل أن يكون ذلك صفة لتحنن يحيى على الناس ولا سيما على أبويه ، وهو محبتهما والشفقة عليهما وبره بهما.
وأما الزكاة فهي طهارة الخلق وسلامته من النقائص والرذائل. والتقوى طاعة الله بامتثال أوامره وترك زواجره.
ثم ذكر بره بوالديه وطاعته لهما أمرا ونهيا وترك عقوقهما قولا وفعلا فقال : (وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا). ثم قال : (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) هذه الأوقات الثلاثة أشد ما تكون على الإنسان ، فإنه ينتقل في كل منها من عالم إلى عالم آخر فيفقد الأول بعد ما كان ألفه وعرفه ويصير إلى الآخر ولا يدري ما بين يديه ، ولهذا يستهل صارخا إذا خرج من بين الأحشاء وفارق لينها وضمها وينتقل إلى هذه الدار ليكابد همومها وغمها!
وكذلك إذا فارق هذه الدار وانتقل إلى عالم البرزخ بينها وبين دار القرار ، وصار بعد الدور والقصور إلى عرة الأموات سكان القبور ، وانتظر هناك النفخة في الصور ليوم البعث والنشور ، فمن مسرور ومحبور ومن محزون ومثبور ، وما بين جبير وكسير وفريق في الجنة وفريق في السعير! ولقد أحسن بعض الشعراء حيث يقول :
ولدتك أمك باكيا مستصرخا |
|
والناس حولك يضحكون سرورا |
فاحرص لنفسك أن تكون إذا بكوا |
|
في يوم موتك ضاحكا مسرورا |
ولما كانت هذه المواطن الثلاثة أشق ما يكون على ابن آدم سلّم الله على يحيى في كل موطن منها فقال : (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا).
وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة أن الحسن قال : إن يحيى وعيسى التقيا ، فقال له عيسى : استغفر لي أنت خير مني. فقال له الآخر : استغفر لي أنت خير مني فقال له عيسى : أنت خير مني سلمت على نفسي وسلم الله عليك. فعرف والله فضلهما.
وأما قوله في الآية الأخرى : (وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) فقيل المراد بالحصور الذي لا يأتي النساء ، وقيل غير ذلك ، وهو أشبه لقوله : (هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً).