وقوله تعالى : (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا.)
[١٩ / مريم : ٧]
وهذا مفسر بقوله : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ.)
[٣ / آل عمران : ٣٩]
فلما بشر بالولد وتحقق البشارة شرع يستعلم على وجه التعجب وجود الولد له والحالة هذه (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) أي كيف يوجد ولد من شيخ كبير ، قيل كان عمره إذ ذاك سبعا وسبعين سنة ، والأشبه والله أعلم أنه كان أسن من ذلك (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) يعني وقد كانت امرأتي في حال شبيبتها عاقرا لا تلد. والله أعلم.
كما قال الخليل : (أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) وقالت سارة : (يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ؟ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).
وهكذا أجيب زكريا عليهالسلام قال له الملك الذي يوحى إليه بأمر ربه : (كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) أي هذا سهل يسير عليه (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) أي قدرته ، أوجدتك بعد أن لم تكن شيئا مذكورا أفلا يوجد منك ولدا وإن كنت شيخا؟!».
وقال تعالى : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) ومعنى إصلاح زوجته أنها كانت لا تحيض فحاضت وقيل كان في لسانها شيء ، أي بذاءة.
(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) أي علامة على وقت تعلق مني المرأة بهذا الولد المبشر به ، (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) يقول علامة ذلك أن يعتريك سكت لا تنطق معه ثلاثة أيام إلا رمزا وأنت في ذلك سوي الخلق صحيح المزاج معتدل البنية. وأمر بكثرة الذكر في هذه الحال بالقلب واستحضار ذلك بفؤاده بالعشي والإبكار ، فلما بشر بهذه البشارة خرج مسرورا بها على قومه من محرابه (١) (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) والوحي هاهنا هو الأمر الخفي إما بكتابة ، كما قال مجاهد والسدي ، أو إشارة كما قاله مجاهد أيضا ووهب وقتادة قال مجاهد وعكرمة ووهب والسدي وقتادة ، اعتقل لسانه من غير مرض وقال ابن زيد : كان يقرأ أو يسبح ولكن لا يستطيع كلام أحد.
* * *
وقوله تعالى : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) يخبر تعالى عن وجود الولد وفق
__________________
(١) و : المحراب.