يعني أن رجله الكريمة غاصت في الصخرة فصارت على قدر قدمه حافية لا منتعلة. ولهذا قال تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) أي في حال قولهما : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فهما في غاية الإخلاص والطاعة لله عزوجل ؛ وهما يسألان من الله عزوجل السميع العليم أن يتقبل منهما ما هما فيه الطاعة العظيمة والسعي المشكور : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ، وَأَرِنا مَناسِكَنا ، وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
* * *
والمقصود أن الخليل بنى أشرف المساجد في أشرف البقاع ، في واد غير ذي زرع ، ودعا لأهلها بالبركة ، وأن يرزقوا من الثمرات ؛ مع قلة المياه وعدم الأشجار والزرع والثمار ؛ وأن يجعله حرما محرما وآمنا محتما.
فاستجاب الله وله الحمد له مسألته ، ولبى دعوته ؛ وآتاه طلبته ؛ فقال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ؟) وقال تعالى : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا.)
وسأل الله أن يبعث فيهم رسولا منهم ، أي من جنسهم ، وعلى لغتهم الفصيحة البليغة النصيحة ؛ لتتم عليهم النعمتان الدنيوية والدينية ؛ سعادة الأولى والأخرى.
وقد استجاب الله له : فبعث فيهم رسولا وأي رسول! ختم به أنبياءه ورسله ، وأكمل له من الدين ما لم يؤت أحدا قبله ، وعم بدعوته أهل الأرض على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وصفاتهم ، في سائر الأقطار والأمصار والأعصار إلى يوم القيامة ، وكان هذا من خصائصه من بين سائر الأنبياء ، لشرفه في نفسه وكمال ما أرسل به ؛ وشرف بقعته وفصاحة لغته ، وكمال شفقته على أمته ، ولطفه ورحمته ، وكريم محتده وعظيم مولده ، وطيب مصدره ومورده.
ولهذا استحق إبراهيم الخليل عليهالسلام إذ كان باني الكعبة لأهل الأرض ، أن يكون منصبه ومحله وموضعه ، في منازل السموات ورفيع الدرجات ، عند البيت المعمور ، الذي هو كعبة أهل السماء السابعة المبارك المبرور ، الذي يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة يتعبدون فيه ، ثم لا يعودون إليه إلى يوم البعث والنشور.
وقد ذكرنا في التفسير من سورة البقرة صفة بنائه للبيت ، وما ورد في ذلك من الأخبار والآثار بما فيه كفاية ، فمن أراد فليراجعه ثم. ولله الحمد.
فمن ذلك ما قال السدي : لما أمر الله ابراهيم وإسماعيل أن يبنيا البيت لم يدريا أين مكانه ؛ حتى بعث الله ريحا يقال له الخجوج لها جناحان ورأس في صورة حية ، فكنست لهما ما حول الكعبة من أساس البيت الأول ، وأتبعاها بالمعاول يحفران حتى وضعا الأساس. وذلك حين يقول تعالى :
(وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ)