فلما بلغا القواعد وبنيا الركن ، قال إبراهيم لإسماعيل : يا بني اطلب لي حجرا حسنا أضعه هاهنا. قال يا أبت إني كسلان تعب. قال على ذلك فانطلق ، وجاءه جبريل بالحجر (١) الأسود من الهند ، وكان أبيض ياقوتة بيضاء مثل الثغامة (٢). وكان آدم هبط به من الجنة فاسود من خطايا الناس ، فجاء إسماعيل بحجر فوجده عند الركن. فقال : يا أبت من جاءك بهذا؟ قال : جاء به من هو أنشط منك. فبنيا وهما يدعوان الله : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
وذكر ابن أبي حاتم أنه بناه من خمسة أجبل ، وأن ذا القرنين ـ وكان ملك الأرض إذ ذاك ـ مر بهما وهما يبنيانه فقال : من أمركما بهذا؟ فقال إبراهيم : الله أمرنا به. فقال : وما يدريني بما تقول؟
فشهدت خمسة أكبش أنه أمره بذلك فآمن وصدق. وذكر الأزرقي : أنه طاف مع الخليل بالبيت.
وقد كانت الكعبة على بناء الخليل مدة طويلة ، ثم بعد ذلك بنتها قريش ، فقصرت بها عن قواعد إبراهيم من جهة الشمال مما يلي الشام على ما هي عليه اليوم.
وفي الصحيحين من حديث مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم : أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخبر عن ابن عمر ، عن عائشة : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ألم تر أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟» فقلت : يا رسول الله : ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال : «لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت». وفي رواية : «لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية ، أو قال بكفر ، لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله ، ولجعلت بابها بالأرض ، ولأدخلت فيها الحجر» (٣).
وقد بناها ابن الزبير رحمهالله في أيامه على ما أشار إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم حسبما أخبرته به خالته عائشة ، أم المؤمنين عنه ، فلما قتله الحجاج في سنة ثلاث وسبعين كتب الى عبد الملك بن مروان الخليفة إذ ذاك ، فاعتقدوا أن ابن الزبير إنما صنع ذلك من تلقاء نفسه. فأمر بردها إلى ما كانت عليه ، فنقضوا الحائط الشامي وأخرجوا منها الحجر ، ثم سدوا الحائط وردموا الأحجار في جوف الكعبة ، فارتفع بابها الشرقي وسدوا الغربي بالكلية ، كما هو مشاهد إلى اليوم.
__________________
(١) سقطت من م.
(٢) م : النعامة. والثغام : نبت أبيض.
(٣) حديث صحيح.
رواه البخاري (٢٥ / ٤٢٠ / ١٥٨٣ / فتح) ولفظه «ألم تر أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم فقلت : يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم قال : لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت» أ. ه.
ورواه أيضا في (٦٠ / ١٠ / ٣٣٦٨ / فتح) ، (٦٥ / ٢ / ١٠). ورواه مسلم في صحيحه (١٥ / ٦٩ / ١٣٣٣) ولفظه «يا عائشة لو لا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحجر. فإن قومك قصروا في البناء» أ. ه ورواه السائي (٥ / ٢١٤ ، ٢١٥ / التجارية) واللفظ له.
ورواه أبو داود (١١ / ٩٢ / ٢٠٢٨) ورواه الترمذي (٧ / ٤٨ / ٨٧٦). ورواه مالك في الموطأ (٢٠ / ٣٣ / ٣٦٣ ، ٣٦٤).
ورواه أحمد في مسنده (٦ / ١١٣ ، ١٧٧ ، ٢٤٧ / حلبي).