والحجّة بتلك اللطيفة على الجوارح قائمة ما وجدت ، والتكليف لها لازم ما بقيت ، فإذا عدمت تلك اللطيفة انفسد تدبير الجوارح. فكما يجوز أن يحتجّ الله عزوجل بهذه اللطيفة الغائبة عن الحواس ، على الجوارح ، فكذلك جائز أن يحتجّ عزوجل على جميع الخلق بحجّة غائب عنهم ، وبه يدفع عنهم ، وبه يرزقهم ، وبه ينزل عليهم الغيث ، ولا قوة إلّا بالله (١).
الآية الثالثة قوله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(٢).
٢٤١ ـ قال المفضّل (في حديث طويل له عن الامام الصادق عليهالسلام :) يا مولاي فما تأويل قوله تعالى : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(٣)؟
قال عليهالسلام هو قوله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) ، فو الله يا مفضل ليرفع عن الملل والاديان الاختلاف ، ويكون الدّين كلّه واحدا كما قال جلّ ذكره : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ)(٤).
وقال الله : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٥).
وفي الحديث نفسه :
قال المفضل : يا مولاي فقوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ما كان رسول الله صلىاللهعليهوآله ظهر على الدّين كلّه؟ قال : يا مفضل لو كان رسول الله صلىاللهعليهوآله ظهر على الدّين كلّه ، ما كانت مجوسيّة ولا يهوديّة ولا صابئيّة ولا نصرانيّة ، ولا فرقة ولا خلاف ولا شكّ ولا شرك ولا عبدة أصنام ، ولا أوثان ، ولا اللّات والعزّى ، ولا عبدة الشمس والقمر ، ولا النجوم ، ولا النار ولا الحجارة ، وإنّما قوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) في هذا اليوم وهذا المهديّ وهذه الرجعة ، وهو قوله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ).
فقال المفضل : أشهد أنّكم من علم الله علمتم ، وبسلطانه وبقدرته قدرتم ، وبحكمه
__________________
(١) كمال الدّين ١ / ٢٠٩ ـ ٢١٠.
(٢) الأنفال : ٣٩.
(٣) التوبة : ٣٣ ؛ الصفّ : ٩.
(٤) آل عمران : ١٩.
(٥) آل عمران : ٣٥.