وكذلك قال عزوجل في قصّة لوط عليهالسلام : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ)(١).
فأمره الله عزوجل بالخروج من بين أظهرهم قبل أن ينزل العذاب بهم ، لأنّه لم يكن جلّ وعزّ لينزل عليهم ونبيّه لوط عليهالسلام بين أظهرهم ، وهكذا أمر الله عزوجل كلّ نبيّ أراد هلاك أمّته أن يعتزلها ، كما قال إبراهيم عليهالسلام مخوّفا بذلك قومه : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا* فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ)(٢).
أهلك الله عزوجل الّذين كانوا آذوه وعنتوه وألقوه في الجحيم ، وجعلهم الأسفلين ، ونجّاه ولوطا كما قال الله تعالى : (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ)(٣).
ووهب الله جلّت عظمته لابراهيم إسحاق ويعقوب ، كما قال عزوجل : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ)(٤) وقال الله عزوجل لنبيّه محمّد صلىاللهعليهوآله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)(٥).
وفي حديث هشام مع عمرو بن عبيد حجّة في الانتفاع بالحجة الغائب عليهالسلام ، وذلك انّ القلب غائب عن سائر الجوارح لا يرى بالعين ولا يشم بالأنف ولا يذاق بالفم ولا يلمس باليد ، وهو مدبّر لهذه الجوارح مع غيبته عنها وبقاؤها على صلاحها ، ولو لم يكن القلب لا نفسد تدبير الجوارح ولم تستقم أمورها فاحتيج إلى القلب لبقاء الجوارح على صلاحها كما احتيج إلى الإمام لبقاء العالم على صلاحه ، ولا قوّة إلّا بالله. وكما يعلم مكان القلب من الجسد بالخبر ، فكذلك يعلم مكان الحجّة الغائب عليهالسلام بالخبر ، وهو ما ورد عن الأئمّة عليهمالسلام من الاخبار في كونه بمكّة وخروجه منها في وقت ظهوره ، ولسنا نعني بالقلب المضغة الّتي من اللحم ، لأنّ بها لا يقع الانتفاع للجوارح ، وإنّما نعني بالقلب اللطيفة الّتي جعلها الله عزوجل في هذه المضغة لا تدرك بالبصر وان كشف عن تلك المضغة ، ولا تلمس ولا تذاق ولا توجد إلّا بالعلم بها لحصول التمييز واستقامة التدبير من الجوارح ،
__________________
(١) هود : ٨٤.
(٢) مريم : ٤٨ و ٤٩.
(٣) الأنبياء : ٧٢.
(٤) الأنبياء : ٧٢.
(٥) الأنفال : ٣٣.