(قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) (٥٣)
خليقته كلّ شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به ، أو ثانيهما أي أعطى كلّ شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به ، كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع وكذا الأنف والرّجل واليد كلّ واحد منها مطابق للمنفعة المنوطة بها ، وقرأ نصير خلقه صفة للمضاف أو للمضاف إليه ، أي أعطى كلّ شيء مخلوق عطاء (ثُمَّ هَدى) عرف كيف يرتفق بما أعطى للمعيشة في الدنيا والسعادة في العقبى.
٥١ ـ (قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) فما حال الأمم الخالية والرّمم البالية سأله عن حال من تقدّم من القرون وعن شقاء من شقي منهم وسعادة من سعد.
٥٢ ـ (قالَ) موسى مجيبا (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) مبتدأ وخبر (فِي كِتابٍ) أي اللوح خبر ثان ، أي هذا سؤال عن الغيب وقد استأثر الله به لا يعلمه إلّا هو وما أنا إلّا عبد (١) لا أعلم منه إلا ما أخبرني به علّام الغيوب ، وعلم أحوال القرون مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ (لا يَضِلُّ رَبِّي) أي لا يخطئ شيئا ، يقال ضللت الشيء إذا أخطأته في مكانه فلم تهتد له ، أي لا يخطئ في سعادة الناس وشقاوتهم (وَلا يَنْسى) ثوابهم وعقابهم ، وقيل لا ينسى ما علم فيذكّره الكتاب ولكن ليعلم الملائكة أنّ معمول الخلق يوافق معلومه.
٥٣ ـ (الَّذِي) مرفوع صفة لربي ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أو منصوب على المدح (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) كوفي ، وغيرهم مهادا وهما لغتان لما يبسط ويفرش (وَسَلَكَ) أي جعل (لَكُمْ فِيها سُبُلاً) طرقا (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) أي مطرا (فَأَخْرَجْنا بِهِ) بالماء ، نقل الكلام من الغيبة إلى لفظ المتكلم المطاع للافتنان ، وقيل تم كلام موسى ثم أخبر الله تعالى عن نفسه بقوله فأخرجنا به ، وقيل هذا كلام موسى أي فأخرجنا نحن بالحراثة والغرس (أَزْواجاً) أصنافا (مِنْ نَباتٍ) هو مصدر سمي به النابت فاستوى فيه الواحد والجمع (شَتَّى) صفة للأزواج أو للنبات جمع شتيت كمريض ومرضى ، أي إنها مختلفة النفع والطعم (٢) واللون والرائحة والشكل بعضها
__________________
(١) زاد في (ز) مثلك.
(٢) ليس في (ز) والطعم.