(ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٩) وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (١١)
٩ ـ (ثُمَّ سَوَّاهُ) قوّمه كقوله : (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (١) (وَنَفَخَ) أدخل (فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) الإضافة للاختصاص ، كأنه قال ونفخ فيه من الشيء الذي اختصّ هو به وبعلمه (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) لتسمعوا وتبصروا وتعقلوا (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) أي تشكرون قليلا.
١٠ ـ (وَقالُوا) القائل أبيّ ابن خلف ، ولرضاهم بقوله أسند إليهم (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) أي صرنا ترابا ، وذهبنا مختلطين بتراب الأرض لا نتميّز منه كما يضلّ الماء في اللبن ، أو غبنا في الأرض بالدفن فيها ، وقرأ عليّ ضللنا بكسر اللام ، يقال ضلّ يضلّ وضلّ يضل ، وانتصب الظرف في أإذا ضللنا بما يدلّ عليه (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) وهو نبعث (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) جاحدون ، لما ذكر كفرهم بالبعث أضرب عنه إلى ما هو أبلغ ، وهو أنهم كافرون بجميع ما يكون في العاقبة لا بالبعث وحده.
١١ ـ (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) أي يتوفى (٢) ملك الموت الذي وكّل بقبض أرواحكم ، ثم ترجعون إلى ربّكم بعد ذلك مبعوثين للحساب والجزاء ، وهذا معنى لقاء الله. والتوفّي استيفاء النفس وهي الروح ، أي يقبض أرواحكم أجمعين ، من قولك توفيت حقي من فلان إذا أخذته وافيا كملا من غير نقصان ، وعن مجاهد : حويت لملك الموت الأرض وجعلت له مثل الطست يتناول منها حيث يشاء ، وقيل ملك الموت يدعو الأرواح فتجيبه ، ثم يأمر أعوانه بقبضها ، والله تعالى هو الآمر بذلك (٣) كلّه ، وهو الخالق لأفعال المخلوقات ، وهذا وجه الجمع بين هذه الآية وبين قوله : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) (٤) وقوله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) (٥).
__________________
(١) التين ، ٩٥ / ٤.
(٢) في (ز) يتوفاكم.
(٣) في (ظ) و (ز) لذلك.
(٤) الأنعام ، ٦ / ٦١.
(٥) الزمر ، ٣٩ / ٤٢.