(إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (٣٤)
على طريق من التوكيد لم يرد عليه ما هو معطوف عليه ، لأنّ الجملة الاسمية آكد من الجملة الفعلية ، وقد انضم إلى ذلك قوله هو ، وقوله مولود ، والسبب في ذلك أنّ الخطاب للمؤمنين وعلّيتهم قبض آباؤهم على الكفر فأريد حسم أطماعهم أن ينفعوا آباءهم بالشفاعة في الآخرة ، ومعنى التأكيد في لفظ المولود أنّ الواحد منهم لو شفع للأب الأدنى الذي ولد منه لم تقبل شفاعته فضلا أن يشفع لأجداده ، إذ الولد يقع على الولد وولد الولد بخلاف المولود فإنه لمن ولد منك كذا في «الكشاف» (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث والحساب والجزاء (حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) بزينتها ، فإنّ نعيمها (١) دانية ولذتها فانية (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) الشيطان ، أو الدنيا ، أو الأمل.
٣٤ ـ (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي وقت قيامها (وَيُنَزِّلُ) بالتشديد شامي ومدني وعاصم ، وهو عطف على ما يقتضيه الظرف من الفعل تقديره إنّ الله يثبت عنده علم الساعة وينزّل (الْغَيْثَ) في إبّانه من غير تقديم ولا تأخير (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) أذكر أم أنثى ، أتامّ أم ناقص (٢) (وَما تَدْرِي نَفْسٌ) برّة أو فاجرة (ما ذا تَكْسِبُ غَداً) من خير أو شرّ ، وربما كانت عازمة على خير فعملت شرّا ، وعازمة على شرّ فعملت خيرا (وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) أي أين تموت ، وربما أقامت بأرض وضربت أوتادها وقالت لا أبرحها فترمي بها مرامي القدر حتى تموت في مكان لم يخطر ببالها.
روي أنّ ملك الموت مرّ على سليمان فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه ، فقال الرجل : من هذا؟ قال له : ملك الموت ، قال : كأنه يريدني ، وسأل سليمان عليهالسلام أن يحمله على الريح ويلقيه ببلاد الهند ، ففعل ، ثم قال ملك الموت لسليمان : كان دوام نظري إليه تعجبا منه لأني أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك (٣).
وجعل العلم لله والدراية للعبيد لما في الدراية من معنى الختل والحيلة ،
__________________
(١) في (ظ) و (ز) نعمتها.
(٢) في (ظ) أم تام أم ناقص ، وفي (ز) وتام أم ناقص.
(٣) أحمد في الزهد وابن أبي شيبة عن شهر بن حوشب موقوفا.