(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٥٦)
٥٤ ـ (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) من النّطف كقوله : (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) (١) (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) يعني حال الشباب وبلوغ الأشدّ (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) يعني حال الشيخوخة والهرم (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) من ضعف وقوة وشباب وشيبة (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بأحوالهم (الْقَدِيرُ) على تغييرهم ، وهذا الترديد في الأحوال أبين دليل على الصانع العليم القدير. فتح الضاد في الكلّ عاصم وحمزة ، وضم غيرهما ، وهو اختيار حفص ، وهما لغتان ، والضم أقوى في القراءة لما روي عن ابن عمر قال : قرأتها على رسول الله من ضعف فأقرأني من ضعف (٢) :
٥٥ ـ (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) أي القيامة ، سمّيت بذلك لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا ، أو لأنها تقع بغتة ، كما تقول في ساعة لمن تستعجله ، وجرت علما لها كالنجم للثريا (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ) يحلف الكافرون ، ولا وقف عليه لأن (ما لَبِثُوا) في القبور أو في الدنيا (غَيْرَ ساعَةٍ) جواب القسم ، استقلوا مدة لبثهم في القبور ، أو في الدنيا لهول يوم القيامة وطول مقامهم في شدائدها ، أو ينسون ، أو يكذبون (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) أي مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون عن الصدق إلى الكذب في الدنيا ويقولون ما هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين.
٥٦ ـ (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ) هم الملائكة والأنبياء والمؤمنون (٣) (لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ) في علم الله المثبت في اللوح ، أو في حكم الله وقضائه (إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) ردّوا ما قالوه وحلفوا عليه ، وأطلعوهم على الحقيقة ، ثم وصلوا ذلك بتقريعهم على إنكار البعث بقولهم (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ) في الدنيا (لا تَعْلَمُونَ) أنه حقّ لتفريطكم في طلب الحقّ واتباعه ، الفاء لجواب شرط يدلّ عليه الكلام ، تقديره إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث الذي أنكرتموه.
__________________
(١) المرسلات ، ٧٧ / ٢٠.
(٢) أبو داود والترمذي وإسحاق والبزار من حديث عطية عن ابن عمر.
(٣) في (ز) الأنبياء والملائكة والمؤمنون.