(وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (٢٤)
بالطريق إلّا حسن ظنّه (١) بربّه (قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) أي وسطه ومعظم نهجه ، فجاءه ملك فانطلق به إلى مدين.
٢٣ ـ (وَلَمَّا وَرَدَ) وصل (ماءَ مَدْيَنَ) ماءهم الذي يستقون (٢) منه وكان بئرا (وَجَدَ عَلَيْهِ) على جانب البئر (أُمَّةً) جماعة كثيرة (مِنَ النَّاسِ) من أناس مختلفين (يَسْقُونَ) مواشيهم (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ) في مكان أسفل من مكانهم (امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) تطردان غنمهما عن الماء ، لأن على الماء من هو أقوى منهما فلا تتمكنان من السقي ، أو لئلا تختلط أغنامهما بأغنامهم ، والذود الطرد والدفع (قالَ ما خَطْبُكُما) ما شأنكما ، وحقيقته ما مخطوبكما أي ما مطلوبكما من الذياد ، فسمّي المخطوب خطبا (قالَتا لا نَسْقِي) غنمنا (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) مواشيهم يصدر شامي ويزيد وأبو عمرو أي يرجع ، والرّعاء جمع راع كقائم وقيام (وَأَبُونا شَيْخٌ) لا يمكنه سقي الأغنام (كَبِيرٌ) في حاله ، أو في السنّ لا يقدر على رعي الغنم ، أبلتا عليه (٣) عذرهما في توليهما السقي بأنفسهما.
٢٤ ـ (فَسَقى لَهُما) فسقى غنمهما لأجلهما رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف ، روي أنه نحّى القوم عن رأس البئر وسألهم دلوا ، فأعطوه دلوهم وقالوا استق بها ، وكانت لا ينزعها إلا أربعون ، فاستقى بها وصبّها في الحوض ودعا بالبركة ، وترك المفعول في يسقون وتذودان ولا نسقي وفسقى لأنّ الغرض هو الفعل لا المفعول ، ألا ترى أنه إنما رحمهما لأنهما كانتا على الذياد وهم على السقي ولم يرحمهما لأنّ مذودهما غنم ومسقيهم إبل مثلا ، وكذا في لا نسقي وفسقى فالمقصود هو السقي لا المسقيّ ، ووجه مطابقة جوابهما سؤاله أنه سألهما عن سبب الذود فقالتا السبب في ذلك أنّا امرأتان مستورتان ضعيفتان لا نقدر على مزاحمة الرجال ونستحي من الاختلاط بهم ، فلا بد لنا من تأخير (٤) السقي إلى أن يفرغوا ، وإنما رضي شعيب عليهالسلام لابنتيه بسقي الماشية لأنّ هذا الأمر في نفسه ليس بمحظور والدين لا
__________________
(١) في (ظ) و (ز) الظن.
(٢) في (ز) يسقون.
(٣) في (ز) أبدتا إليه ، وأبلتا : أظهرتا.
(٤) في (ز) تأجيل.