يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٧٤)
(كَفَرُوا الْمُنْكَرَ) الإنكار بالعبوس والكراهة ، والمنكر مصدر (يَكادُونَ يَسْطُونَ) يبطشون ، والسطو الوثب والبطش (بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا) هم النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ) من غيظكم على التالين وسطوكم عليهم ، أو مما أصابكم من الكراهة والضجر بسبب ما تلي عليكم (النَّارُ) خبر مبتدأ محذوف كأنّ قائلا قال : ما هو؟ فقيل : النار ، أي هو النار (وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) استئناف كلام (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) النار.
ولما كانت دعواهم بأنّ لله تعالى شريكا جارية في الغرابة والشهرة مجرى الأمثال المسيرة قال الله تعالى :
٧٣ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ) بيّن (مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) لضرب هذا المثل (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ) يدعون سهل ويعقوب (مِنْ دُونِ اللهِ) آلهة باطلة (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) لن لتأكيد نفي المستقبل ، وتأكيده هنا للدلالة على أنّ خلق الذباب منهم مستحيل ، كأنه قال محال أن يخلقوا ، وتخصيص الذباب لمهانته وضعفه واستقذاره ، وسمّي ذبابا لأنه كلما ذبّ لاستقذاره آب لاستكباره (وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) لخلق الذباب ، ومحله النصب على الحال ، كأنه قيل مستحيل منهم أن يخلقوا الذباب مشروطا عليهم اجتماعهم جميعا لخلقه وتعاونهم عليه ، وهذا من أبلغ ما أنزل في تجهيل قريش حيث وصفوا بالإلهية التي تقتضي الاقتدار على المقدورات كلّها والإحاطة بالمعلومات عن آخرها صورا وتماثيل يستحيل منها أن تقدر على أقلّ ما خلقه الله تعالى وأذلّه ولو اجتمعوا لذلك (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً) شيئا ثاني مفعولي يسلبهم (لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) أي هذا الخلق الأقل الأذل لو اختطف منهم شيئا فاجتمعوا على أن يستخلصوه منه لم يقدورا ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم كانوا يطلونها بالزعفران ورؤوسها بالعسل ، فإذا سلبه الذباب عجز الأصنام عن أخذه (ضَعُفَ الطَّالِبُ) أي الصنم بطلب ما سلب منه (وَالْمَطْلُوبُ) الذباب بما سلب ، وهذا كالتسوية بينهم وبين الذباب في الضعف ، ولو حققت وجدت الطالب أضعف وأضعف ، فإنّ الذباب حيوان وهو جماد ، وهو غالب وذلك مغلوب.
٧٤ ـ (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ما عرفوه حقّ معرفته حيث جعلوا هذا