من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزّل عليه ، والنبيّ من لم ينزّل عليه كتاب وإنما أمر أن يدعو إلى شريعة من قبله ، وقيل الرسول واضع شرع والنبيّ حافظ شرع غيره (إِلَّا إِذا تَمَنَّى) قرأ ، قال (١) :
تمنى كتاب الله أول ليلة |
|
تمني داود الزبور على رسل |
(أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) تلاوته ، قالوا إنه عليهالسلام كان في نادي قومه يقرأ (وَالنَّجْمِ) فلما بلغ قوله : (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) جرى على لسانه «تلك الغرانيق العلى (٢) ، وإنّ شفاعتهنّ لترتجى» ولم يفطن له حتى أدركته العصمة ، فتنبه عليه ، وقيل نبّهه جبريل عليهالسلام ، فأخبرهم أنّ ذلك كان من الشيطان. وهذا القول غير مرضي لأنه لا يخلو إمّا أن يتكلّم النبيّ عليهالسلام بها عمدا وإنه لا يجوز لأنه كفر ، ولأنه بعث طاعنا للأصنام لا مادحا لها ، أو أجرى الشيطان ذلك على لسان النبيّ عليهالسلام جبرا بحيث لم (٣) يقدر على الامتناع منه ، وهو ممتنع لأنّ الشيطان لا يقدر على ذلك في حقّ غيره لقوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) (٤) ففي حقّه أولى ، أو جرى ذلك على لسانه سهوا وغفلة وهو مردود أيضا لأنه لا يجوز مثل هذه الغفلة عليه في حال تبليغ الوحي ، ولو جاز ذلك لبطل الاعتماد على قوله ، ولأنه تعالى قال في صفة المنزّل عليه : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) (٥) وقال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٦) فلما بطلت هذه الوجوه لم يبق إلا وجه واحد وهو أنه عليهالسلام سكت عند قوله ومناة الثالثة الأخرى فتكلم الشيطان بهذه الكلمات متصلا بقراءة النبيّ صلىاللهعليهوسلم فوقع عند بعضهم أنه عليهالسلام هو الذي تكلّم بها ، فيكون هذا إلقاء في قراءة النبيّ عليهالسلام ، وكان الشيطان يتكلّم في زمن النبيّ عليهالسلام ويسمع كلامه ، فقد روي أنه نادى يوم أحد ألا إنّ محمدا قد قتل ، وقال يوم بدر : (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) (٧) (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) أي يذهب به ويبطله ويخبر أنه من الشيطان (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) أي يثبتها ويحفظها من
__________________
(١) الشاعر مجهول والبيت قاله في أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(٢) أخرجه البزار والطبري والطبراني من طريق أمية بن خالد عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال : لا ٠=ةوأعلمه إلا عن ابن عباس ، ورواه الطبري من طريق سعيد بن جبير مرسلا وفي أسانيده كلام وأصله في