العذاب في الدنيا المتّصل بعذاب الآخرة الذي هو أكبر ، ونفى الله سبحانه عن القرآن العوج ؛ لأنّه لا اختلاف فيه ، ولا تناقض ، ولا مغمز بوجه.
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٩) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)(٣١)
وقوله سبحانه : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ ...) الآية ، هذا مثل ضربه الله سبحانه في التوحيد ، فمثّل تعالى الكافر العابد للأوثان والشياطين بعبد لرجال عدّة ؛ في أخلاقهم شكاسة وعدم مسامحة ؛ فهم لذلك يعذّبون ذلك العبد بتضايقهم في أوقاتهم ، ويضايقون العبد في كثرة العمل ؛ فهو أبدا في نصب منهم وعناء ، فكذلك عابد الأوثان الذي يعتقد أنّ ضرّه ونفعه عندها ؛ هو معذّب الفكر بها وبحراسة حاله منها ، ومتى توهّم أنه أرضى صنما بالذبح له في زعمه ، تفكّر فيما يصنع مع الآخر ؛ فهو أبدا تعب في ضلال ، وكذلك هو المصانع للنّاس الممتحن بخدمة الملوك ، / ومثّل تعالى المؤمن بالله وحده ؛ بعبد لرجل واحد يكلّفه شغله ؛ فهو يعمله على تؤدة وقد ساس مولاه ، فالمولى يغفر زلّته ويشكره على إجادة عمله ، و (مَثَلاً) مفعول ب (ضَرَبَ) و (رَجُلاً) نصب على البدل و (مُتَشاكِسُونَ) معناه : لا سمح في أخلاقهم ؛ بل فيها لجاج ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «سالما» (١) أي : سالما من الشّركة ، ثم وقف تعالى الكفار بقوله : (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) ونصب (مَثَلاً) على التمييز ؛ وهذا التوقيف لا يجيب عنه أحد إلّا بأنهما لا يستويان ؛ فلذلك عاملتهم العبارة الوجيزة على أنهم قد أجابوا ، فقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي : على ظهور الحجّة عليكم من أقوالكم ، وباقي الآية بيّن.
والاختصام في الآية قيل : عامّ في المؤمنين والكافرين ، قال* ع (٢) * : ومعنى الآية عندي : أن الله تعالى توعّدهم بأنهم سيتخاصمون يوم القيامة في معنى ردّهم في وجه الشريعة وتكذيبهم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وروى الترمذيّ من حديث عبد الله بن الزّبير قال : «لما نزلت : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) قال الزّبير : يا رسول الله : أتكرّر
__________________
(١) ينظر : «السبعة» (٥٦٢) ، و «الحجة» (٦ / ٩٤) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٣٣٨) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ١٩٧) ، و «العنوان» (١٦٥) ، و «حجة القراءات» (٦٢٢) ، و «شرح شعلة» (٥٦٧) ، و «إتحاف» (٢ / ٤٢٩)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٥٣٠)