تفسير سورة «الشرح»
وهي مكّيّة بإجماع
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ)(٨)
عدّد الله تعالى على نبيه نعمه عليه في أن شرح صدره للنبوّة ، وهيأه لها ، وذهب الجمهور إلى أنّ شرح الصدر المذكور إنما هو تنويره بالحكمة ، وتوسيعه لتلقي ما يوحى إليه ، وقال ابن عبّاس وجماعة : هذه إشارة إلى شرحه بشقّ جبريل عنه في وقت صغره ، وفي وقت الإسراء ؛ إذا التشريح شقّ اللحم ، والوزر الذي وضعه الله عنه هو عند بعض المتأولين الثّقل الذي كان يجده صلىاللهعليهوسلم في نفسه من أجل ما كانت قريش فيه من عبادة الأصنام ؛ فرفع الله عنه ذلك الثّقل بنبوّته وإرساله ، وقال أبو عبيدة وغيره : المعنى : خفّفنا عنك أثقال النبوّة وأعنّاك على الناس (١) ، وقيل الوزر هنا : الذنوب ، نظير قوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) [الفتح : ٢] وقد تقدم بيانه ، الثعلبيّ : وقيل : معناه : عصمناك من احتمال الوزر ، انتهى. و (أَنْقَضَ) معناه : جعله نقضا ، أي : هزيلا ، من الثّقل ، قال عياض : ومعنى أنقض ، أي : كاد ينقضه ، انتهى ، (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) أي نوّهنا باسمك ، قال* ع (٢) * : ورفع الذكر نعمة على الرسول وكذلك هو جميل حسن للقائمين بأمور الناس ، وخمول الاسم والذكر حسن للمنفردين للعبادة ، / والمعنى في هذا : التّعديد : أنّا قد فعلنا جميع هذا بك ؛ فلا تكترث بأذى قريش ؛ فإن الذي فعل بك هذه النعم سيظفّرك بهم ، قال عياض : وروى أبو سعيد الخدريّ ؛ أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «أتاني جبريل فقال ؛ إنّ ربّي وربّك يقول : أتدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت : الله تعالى أعلم ، قال : إذا ذكرت ذكرت معي» ، انتهى ، ثم قوّى سبحانه رجاءه بقوله : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) وكرّر تعالى
__________________
(١) ذكره البغوي (٤ / ٥٠٢) ، وابن عطية (٥ / ٤٩٦)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٤٩٧)