من ذلك ؛ ذكره عبد الحقّ في «العاقبة» ، وغيرهم ممن لا يحصى كثرة ، ومن كلام عزّ الدين بن عبد السّلام ـ رحمهالله ـ في قواعده الصغرى قال : وقد يصيح بعضهم لغلبة الحال عليه ، وإلجائها إيّاه إلى الصياح ، وهو في ذلك معذور ، ومن صاح لغير ذلك ، فمتصنّع ليس من القوم في شيء ، وكذلك من أظهر شيئا من الأحوال رياء أو تسميعا ، فإنه ملحق بالفجّار دون الأبرار ، انتهى.
وقوله تعالى : (ذلِكَ هُدَى اللهِ) يحتمل أن يشير إلى القرآن ويحتمل أن يشير إلى الخشية واقشعرار الجلود ، أي : ذلك أمارة هدى الله.
قال الغزّاليّ في «الإحياء» : والمستحبّ من التالي للقرآن أن يتأثر قلبه بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات ، فيكون له بحسب كلّ فهم حال يتّصف به قلبه من الحزن والخوف والرجاء وغير ذلك ، ومهما تمّت معرفته كانت الخشية أغلب الأحوال على قلبه ، انتهى ، قال الشيخ الوليّ عبد الله بن أبي جمرة : وكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم في قيامه يكسوه من كل آية يقرؤها حال يناسب معنى تلك الآية ، وكذلك ينبغي أن تكون تلاوة / القرآن وألّا يكون تاليه كمثل الحمار يحمل أسفارا ، انتهى.
(أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(٢٨)
وقوله تعالى : (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ ...) الآية ، تقرير بمعنى التّعجيب ، والمعنى : أفمن يتّقي بوجهه سوء العذاب كالمنعّمين في الجنة ، قال مجاهد (١) : (يَتَّقِي بِوَجْهِهِ) ، أي : يجرّ على وجهه في النار.
وقالت فرقة : ذلك لما روي أنّ الكافر يلقى في النار مكتوفا مربوطة يداه إلى رجليه مع عنقه ، ويكبّ على وجهه ، فليس له شيء يتّقي به إلا وجهه ، وقالت فرقة : المعنى في ذلك صفة كثرة ما ينالهم من العذاب يتّقيه بكلّ جارحة منه حتّى بوجهه الذي هو أشرف جوارحه ، وهذا المعنى أبين بلاغة ، ثم مثّل لقريش بالأمم الذين من قبلهم ، وما نالهم من
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٦٣٠) برقم : (٣٠١٢٧) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦١١) ، وعزاه السيوطي للفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر.