وقوله تعالى : (نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ) قالت فرقة : «ما» مصدرية ، والمعنى : نسي دعاءه إليه في حال الضّرورة ، ورجع إلى كفره ، وقالت فرقة : «ما» بمعنى الذي ، والمراد بها الله تعالى ، أي : نسي الله ، وعبارة الثعلبي : قوله : (نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) أي : ترك عبادة الله تعالى والتضرّع إليه من قبل في حال الضّرّ انتهى» وباقي الآية بيّن.
وقوله تعالى : «أمن هو قانت» بتخفيف الميم ، هي قراءة نافع وابن كثير وحمزة (١) ، والهمزة للتقرير والاستفهام ، وكأنه يقول : أهذا القانت خير أم هذا المذكور الذي يتمتّع بكفره قليلا ، وهو من أصحاب النار ، وقرأ الباقون : «أمّن» بتشديد الميم ، والمعنى : أهذا الكافر خير أمّن هو قانت؟ والقانت : المطيع ؛ وبهذا فسّره ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما (٢) ـ ، والقنوت في الكلام يقع على القراءة وعلى طول القيام في الصلاة ؛ وبهذا / فسّره ابن عمر ـ رضي الله عنهما (٣) ـ قال الفخر (٤) : قيل : إن المراد بقوله : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ) : عثمان بن عفّان ؛ لأنّه كان يحيي الليل ، والصحيح أنها عامّة في كلّ من اتّصف بهذه الصفة ، وفي هذه الآية تنبيه على فضل قيام الليل ، انتهى ، وروي عن ابن عبّاس ؛ أنّه قال : «من أحبّ أن يهوّن الله عليه الوقوف يوم القيامة ، فليره الله في سواد اللّيل ساجدا وقائما» (٥) ، * ت* قال الشيخ عبد الحقّ في «العاقبة» : وعن قبيصة بن سفيان قال : رأيت سفيان الثّوريّ في المنام بعد موته ؛ فقلت له : ما فعل الله بك؟ فقال : [الطويل]
نظرت إلى ربّي عيانا فقال لي |
|
هنيئا رضائي عنك يا بن سعيد |
لقد كنت قوّاما إذا اللّيل قد دجا |
|
بعبرة محزون وقلب عميد |
فدونك فاختر أيّ قصر تريده |
|
وزرني فإنّي منك غير بعيد (٦) |
وكان شعبة بن الحجّاج ، ومسعر بن كدام ، رجلين فاضلين ، وكانا من ثقات المحدّثين وحفّاظهم ، وكان شعبة أكبر فماتا ، قال أبو أحمد اليزيديّ ، فرأيتهما في النوم ،
__________________
(١) ينظر : «الحجة» (٦ / ٩٢) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٣٣٥) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ١٩٦) ، و «العنوان» (١٦٥) ، و «حجة القراءات» (٦٢٠) ، و «شرح شعلة» (٥٦٧) ، و «إتحاف فضلاء البشر» (٢ / ٤٢٨)
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٦٢١) برقم : (٣٠٠٨٨) عن ابن عبّاس وبرقم : (٣٠٠٨٩) عن السدي ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٢٣) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٤٧)
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٦٢١) برقم : (٣٠٠٨٧) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٧٣) ، وابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٢٣)
(٤) ينظر : «تفسير الرازي» (٢٦ / ٢١٩)
(٥) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٢٣)
(٦) ينظر : الأبيات في «العاقبة» (١٣٧)