هذه الآية مخاطبة للكفار (١) ، قال* ع (٢) * : وتحتمل أن تكون مخاطبة لجميع الناس ، لأن الله سبحانه غنيّ عن جميع الناس ، وهم فقراء إليه ، واختلف المتأولون من أهل السنة في تأويل قوله تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) فقالت فرقة : «الرّضا» بمعنى الإرادة ، والكلام ظاهره العموم ، ومعناه الخصوص فيمن قضى الله له بالإيمان ، وحتّمه له ، فعباده على هذا ملائكته ومؤمنو الإنس والجنّ ، وهذا يتركّب على قول ابن عبّاس (٣) ، وقالت فرقة : الكلام عموم صحيح ، والكفر يقع ممّن يقع بإرادة الله تعالى ، إلا أنه بعد وقوعه لا يرضاه دينا لهم ، ومعنى لا يرضاه : لا يشكره لهم ، ولا يثيبهم به خيرا ، فالرضا : على هذا هو صفة فعل بمعنى القبول ، ونحوه ، وتأمّل الإرادة فإنما هي حقيقة فيما لم يقع بعد ، والرضا ، فإنما هو حقيقة فيما قد وقع ، واعتبر هذا في / آيات القرآن تجده ، وإن كانت العرب قد تستعمل في أشعارها على جهة التجوّز هذا بدل هذا.
وقوله تعالى : (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) عموم ، والشكر الحقيقيّ في ضمنه الإيمان ، قال النوويّ : وروّينا في «سنن أبي داود» عن أبي سعيد الخدريّ ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من قال : رضيت بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد صلىاللهعليهوسلم رسولا ، وجبت له الجنّة» (٤) انتهى.
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨) أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٩)
وقوله تعالى : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ ...) الآية : (الْإِنْسانَ) هنا : الكافر ، وهذه الآية بيّن تعالى بها على الكفّار ، أنّهم على كلّ حال يلجؤون إليه في حال الضرورات ، و (خَوَّلَهُ) معناه ملكه وحكّمه فيها ابتداء من الله لا مجازاة ، ولا يقال في الجزاء «خوّل».
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٦١٧) برقم : (٣٠٠٧٩) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٢٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٠٤) ، وعزاه لابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في «الأسماء والصفات».
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٥٢١)
(٣) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٢١)
(٤) أخرجه الحاكم في «المستدرك» (١ / ٥١٨) كتاب «الدعاء». قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه.