وكنت إلى شعبة أميل منّي إلى مسعر ، فقلت : يا أبا بسطام ؛ ما فعل الله بك؟ فقال : وفّقك الله يا بنيّ، احفظ ما أقول :
حباني إلهي في الجنان بقبّة |
|
لها ألف باب من لجين وجوهرا |
وقال لي الجبّار : يا شعبة الّذي |
|
تبحّر في جمع العلوم وأكثرا |
تمتّع بقربي إنّني عنك ذو رضا |
|
وعن عبدي القوّام في اللّيل مسعرا |
كفى مسعرا عزّا بأن سيزورني |
|
وأكشف عن وجهي ويدنو لينظرا |
وهذا فعالي بالّذين تنسّكوا |
|
ولم يألفوا في سالف الدّهر منكرا (١) |
انتهى. «والآناء» : الساعات واحدها / «إنّى» ؛ ك «معى» ويقال : «إني» ـ بكسر الهمزة وسكون النون ـ ، و «أنّى» على وزن «قفا».
وقوله سبحانه : (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) قال ابن الجوزيّ في «المنتخب» : يقول الله تعالى : «لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين ؛ من خافني في الدّنيا ، أمّنته في الآخرة ، ومن أمنني في الدّنيا خوّفته في الآخرة» ، يا أخي ؛ امتطى القوم مطايا الدّجى على مركب السّهر ، فما حلّوا ولا حلّوا رحالهم حتّى السّحر ، درسوا القرآن فغرسوا بأيدي الفكر أزكى الشجر ، ومالوا إلى النفوس باللّوم ؛ فلا تسأل عمّا شجر ، رجعوا بنيل القبول من ذلك السّفر ، ووقفوا على كنز النجاة وما عندك خبر ، فإذا جاء النهار قدّموا طعام الجوع ، وقالوا للنّفس : هذا الّذي حضر ، حذوا عزمات طاحت الأرض بينها ، فصار سراهم في ظهور العزائم ، تراهم نجوم اللّيل ما يبتغونه على عاتق الشعرى وهام النعائم ، مالت بالقوم ريح السّحر ميل الشجر بالأغصان ، وهزّ الخوف أفنان القلوب فانتشرت الأفنان ، فالقلب يخشع واللّسان يضرع والعين تدمع والوقت بستان ، خلوتهم بالحبيب تشغلهم عن نعم ونعمان ، سرورهم أساورهم والخشوع تيجان ، خضوعهم حلاهم وماء دمعهم درّ ومرجان ، باعوا الحرص بالقناعة فما ملك أنوشروان ، فإذا وردوا القيامة تلقّاهم بشر : لولاكم ما طاب الجنان ، يبشّرهم ربّهم برحمة منه ورضوان ، أين أنت منهم يا نائم كيقظان ، كم بينك وبينهم أين الشجاع من الجبان ، ما للمواعظ فيك نجح ، موضع القلب / باللهو منك ملآن ، يا أخي ، قف على باب النجاح ولكن وقوف لهفان ، واركب سفن الصلاح ، فهذا الموت طوفان ، إخواني ، إنّما اللّيل والنهار مراحل ؛ ومركب العمر قد قارب السّاحل ، فانتبه لنفسك وازدجر يا غافل ، يا هذا ، أنت مقيم فيّ مناخ الراحلين ؛ ويحك اغتنم أيّام القدرة قبل
__________________
(١) ينظر : الأبيات في «العاقبة» (١٣٨)