يصير منه على الآخر جزء فيستره ، وكأن الآخر الذي يقصر يلج في الذي (١) يطول ، فيستتر فيه.
(خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)(٧)
وقوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) قيل : «ثمّ» هنا : لترتيب الإخبار لا لترتيب الوجود (٢) ، وقيل : قوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) : هو أخذ الذرية من ظهر آدم ، وذلك شيء كان قبل خلق حوّاء ، * ت* : وهذا يحتاج إلى سند قاطع.
وقوله سبحانه : (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) قالت فرقة : الأولى هي ظهر الأب ، ثم رحم الأمّ ، ثم المشيمة في البطن ، وقال مجاهد وغيره : هي المشيمة والرحم والبطن (٣) ، وهذه الآيات كلّها فيها عبر وتنبيه على توحيد الخالق الّذي لا يستحقّ العبادة غيره وتوهين لأمر الأصنام.
وقوله سبحانه : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ...) الآية ، قال ابن عبّاس : هذه
__________________
(١) من هنا انتقلنا بالترقيم من على المخطوط من النسخة (د)
(٢) في (ثمّ) هذه أوجه :
«أحدها» : أنها على بابها من الترتيب بمهلة ، وذلك أنه يروى أنه تعالى أخرجنا من ظهر آدم كالذّر ثم خلق حوّاء بعد ذلك بزمان.
«الثاني» : أنها على بابها أيضا ، ولكن لمدرك آخر وهو أن يعطف بها ما بعدها على ما فهم من الصفة في قوله «واحدة» ؛ إذ التقدير من نفس وحدت أي : انفردت ثم جعل منها زوجها.
«الثالث» : إنها للترتيب في الإخبار لا في الزمان الوجودي ؛ كأنه قيل : كان من أمرها قبل ذلك أن جعل منها زوجها.
ينظر : «الدر المصون» (٦ / ٥ ـ ٦)
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٦١٥) برقم : (٣٠٠٦٩) عن عكرمة ، و (٣٠٠٧١) عن ابن عبّاس ، و (٣٠٠٧٢) عن مجاهد ، وبرقم : (٣٠٠٧٣) عن قتادة ، وبرقم : (٣٠٠٧٤) عن السدي ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٧٢) ، وابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٢٠) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٤٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٠٣) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر عن قتادة ، ولعبد بن حميد ، وابن المنذر عن مجاهد.