خليفة للذي قبله ، وما يجيء في الشعر من تسمية أحدهم خليفة الله! فذلك تجوّز وغلوّ ؛ ألا ترى أن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ حرزوا هذا المعنى ، فقالوا لأبي بكر : خليفة رسول الله ، وبهذا كان يدعى مدة خلافته ، فلمّا ولي عمر ؛ قالوا : يا خليفة خليفة رسول الله ، فطال الأمر ، ورأوا أنّه في المستقبل سيطول أكثر ؛ فدعوه أمير المؤمنين ، وقصر هذا الاسم على الخلفاء.
وقوله : (فَيُضِلَّكَ) قال أبو حيان (١) : منصوب في جواب النهي ، (ص) أبو البقاء وقيل : مجزوم عطفا على النهي وفتحت [اللام] (٢) لالتقاء الساكنين ، انتهى.
وقوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) إلى قوله : (وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) : اعتراض فصيح بين الكلامين من أمر داود وسليمان ، وهو خطاب لنبينا محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وعظة لأمّته ، و (نَسُوا) في هذه الآية معناه تركوا ، ثم وقف تعالى على الفرق عنده بين المؤمنين العاملين بالصّالحات وبين المفسدين الكفرة وبين المتّقين والفجّار ، وفي هذا التوقيف حضّ على الإيمان والتّقوى ، وترغيب في عمل الصالحات ، قال ابن العربيّ (٣) : نفى الله تعالى المساواة بين المؤمنين والكافرين ، وبين المتقين والفجّار ؛ فلا مساواة بينهم في الآخرة ، كما قاله المفسّرون ولا في الدّنيا أيضا ؛ لأنّ المؤمنين المتقين معصومون دما ومالا وعرضا ، والمفسدون في الأرض والفجّار مباحو الدّم والمال والعرض ، فلا وجه لتخصيص المفسّرين بذلك في الآخرة دون الدّنيا ، انتهى من «الأحكام» ؛ وهذا كما قال ، وقوله تعالى في الآية الأخرى : (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) [الجاثية : ٢١] يشهد له ، وباقي الآية بيّن.
(كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩) وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (٣١) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (٣٢) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ)(٣٣)
وقوله تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) قال الغزّاليّ في «الإحياء» : اعلم أن القرآن من أوّله إلى آخره تحذير وتخويف لا يتفكّر فيه متفكّر إلا ويطول حزنه ، ويعظم خوفه إن كان مؤمنا بما فيه ، وترى الناس يهذّونه هذّا ، يخرجون الحروف من مخارجها ، ويتناظرون على خفضها ورفعها ونصبها ، لا يهمّهم الالتفات إلى معانيها والعمل
__________________
(١) ينظر : «البحر المحيط» (٧ / ٣٧٨)
(٢) سقط في : د.
(٣) ينظر : «أحكام القرآن» (٤ / ١٦٤٦)