عن مجاهد قال : سألت ابن عبّاس عن سجدة «ص» أين تسجد ، فقال : أو ما تقرأ (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) [الأنعام : ٨٤] إلى قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٩٠] فكان داود ممّن أمر نبيّكم أن يقتدي به ، فسجدها داود ؛ فسجدها رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١) ، انتهى ، فتأمّله وما فيه من الفقه ، وقرأ أبو عمرو في رواية علي بن نصر : «فتناه» ـ بتخفيف التاء والنون ـ على إسناد الفعل للخصمين (٢) ، أي : امتحناه عن أمرنا ، قال أبو سعيد الخدريّ : «رأيتني في النوم أكتب سورة «ص» فلما بلغت / قوله : (وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) سجد القلم ، ورأيتني في منام آخر ، وشجرة تقرأ سورة «ص» فلما بلغت هذا ، سجدت ، وقالت : اللهمّ ، اكتب لي بها أجرا ، وحطّ عنّي بها وزرا ، وارزقني بها شكرا ، وتقبّلها منّي كما تقبّلتها من عبدك داود ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : وسجدت أنت يا أبا سعيد؟ قلت : لا ، قال : أنت كنت أحقّ بالسّجدة من الشجرة ، ثم تلا نبيّ الله الآيات حتى بلغ : (وَأَنابَ) ، فسجد ، وقال كما قالت الشجرة».
(وَأَنابَ) معناه : رجع ، * ت* : وحديث سجود الشجرة رواه الترمذيّ وابن ماجه والحاكم وابن حبّان في «صحيحيهما» ، وقال الحاكم : هو من شرط الصحّة ، انتهى من «السلاح».
والزّلفى : القربة والمكانة الرفيعة ، والمآب : المرجع في الآخرة من آب يؤوب : إذا رجع.
(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (٢٦) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)(٢٨)
وقوله تعالى : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) تقدير الكلام : وقلنا له يا داود ، قال* ع (٣) * : ولا يقال : خليفة الله إلا لرسوله ، وأما الخلفاء ، فكل واحد
__________________
(١) أخرجه البخاري (٨ / ٤٠٥) كتاب «التفسير» باب : سورة ص : (٤٨٠٧) ، (٤٨٠٦) نحوه ، وأخرجه ابن أبي شيبة (١ / ٣٧٠) كتاب «الصلاة» باب : من قال في ـ ص ـ سجدة وسجد فيها (٤٢٥٥ ، ٤٢٥٩ ، ٤٢٦٨) عن ابن عبّاس نحوه ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٥٧١)
(٢) ينظر : «السبعة» (٥٥٣) ، و «الحجة» (٦ / ٧٠) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٣٢٧) ، و «إتحاف» (٢ / ٤٢١) ، وذكرها الأخير عن الشنبوذي. وينظر : «المحتسب» (٢ / ٢٣٢)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٥٠٢)