وأنّ الخبر إنما هو عن بعض القدرة لا عن كلّها ، * ت* : صوابه أن يقول عن بعض المقدورات لا عن كلّها ؛ وهذا هو مراده ، ألا تراه قال في قوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) [البقرة : ٢٥٥] قال : يعني بشيء من معلوماته ؛ لأنّ علمه تعالى لا يتجزّأ ، فافهم راشدا ، والسموات كلّها عامرة بأنواع من الملائكة ؛ كلّهم في عبادة متّصلة وخشوع دائم ، لا فترة في شيء من ذلك ، ولا دقيقة واحدة ، قال مجاهد : والضمير في قوله : (وَما هِيَ) للنار المذكورة ، أي : يذكّر بها البشر فيخافونها ، فيطيعون الله (١) ، وقال بعضهم : قوله : (وَما هِيَ) يراد بها الحال والمخاطبة والنذارة ، وأقسم تعالى بالقمر وما بعده تنبيها على النّظر في ذلك والفكر المؤدّي إلى تعظيمه تعالى وتحصيل معرفته تعالى مالك الكلّ وقوام الوجود ، ونور السموات والأرض ، لا إله إلّا هو العزيز القهار ، وأدبر الليل معناه ولّى ، وأسفر الصبح أضاء وانتشر ضوؤه ، قال ابن زيد وغيره : الضمير في قوله : (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ) لجهنم ، ويحتمل أن يكون الضمير للنّذارة وأمر الآخرة ؛ فهو للحال والقصّة (٢) ، ـ ص ـ : والكبر جمع كبرى ، وفي* ع (٣) * : جمع كبيرة ولعلّه وهم من الناسخ ، انتهى.
(نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧) كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ)(٤١)
وقوله سبحانه : (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) قال الحسن : لا نذير أدهى من النار (٤) ، وقال ابن زيد : (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) هو محمّد صلىاللهعليهوسلم (٥).
وقوله سبحانه : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) قال الحسن : هو وعيد نحو قوله : (فَمَنْ / شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (٦) [الكهف : ٢٩] ، ثم قوّى سبحانه هذا المعنى بقوله : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) : إذ لزم بهذا القول أنّ المقصّر مرتهن بسوء عمله ، وقال الضّحّاك : المعنى : كل نفس حقّت عليها كلمة العذاب ، ولا يرتهن تعالى أحدا
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٢ / ٣١٤) ، رقم : (٣٥٤٥٧) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٩٧) ، وابن كثير (٤ / ٤٤٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٥٧) ، وعزاه لعبد بن حميد.
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ٣١٦) ، رقم : (٣٥٤٦٣)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٩٧)
(٤) أخرجه الطبري (١٢ / ٣١٦) ، رقم : (٣٥٤٦٧) ، وذكره البغوي (٤ / ٤١٨) ، وابن عطية (٥ / ٣٩٨)
(٥) أخرجه الطبري (١٢ / ٣١٧) ، رقم : (٣٥٤٦٩) ، وذكره البغوي (٤ / ٤١٨) ، وابن عطية (٥ / ٣٩٨)
(٦) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٩٨)