مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١) كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ)(٣٥)
وقوله تعالى : (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) قال ابن عبّاس وجمهور الناس : معناه مغيّرة للبشرات ومحرّقة للجلود مسوّدة لها (١) ، فالبشر جمع بشرة ، وقال الحسن وابن كيسان : (لَوَّاحَةٌ) بناء مبالغة من لاح يلوح إذا ظهر ، فالمعنى أنها تظهر للناس وهم البشر من مسيرة خمسمائة عام ، وذلك لعظمها وهولها وزفيرها (٢).
وقوله تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) لا خلاف بين العلماء أنهم خزنة جهنم المحيطون بأمرها الذين إليهم جماع أمر زبانيتها ، وروي أن قريشا لما سمعت هذا كثر لغطهم فيه ، وقالوا : ولو كان هذا حقا ، فإن هذا العدد قليل ، وقال أبو جهل : هؤلاء تسعة عشر ، وأنتم الدّهم أي : الشجعان : أفيعجز عشرة منا عن رجل منهم إلى غير هذا من أقوالهم السخيفة.
وقوله تعالى : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) تبيين لفساد أقوال قريش ، أي : إنا جعلناهم خلقا لا قبل لأحد من الناس بهم وجعلنا عدّتهم هذا القدر فتنة للكفار ليقع منهم من التعاطي والطّمع في المغالبة ما وقع ، وليستيقن أهل الكتاب ـ التوراة والإنجيل ـ أنّ هذا القرآن من عند الله ، إذ هم يجدون هذه العدة في كتبهم المنزّلة ، قال هذا المعنى ابن عبّاس وغيره (٣) ، وبورود الحقائق من عند الله ـ عزوجل ـ يزداد كلّ ذي إيمان إيمانا ، ويزول الريب عن المصدّقين من أهل الكتاب ومن المؤمنين.
/ وقوله سبحانه : (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ....) الآية ، نوع من الفتنة لهذا الصنف المنافق أو الكافر ، أي حاروا ولم يهتدوا لمقصد الحق ، فجعل بعضهم يستفهم بعضا عن مراد الله بهذا المثل ، استبعادا أن يكون هذا من عند الله ، قال الحسين بن الفضل : السورة مكيّة ولم يكن بمكة نفاق وإنّما المرض في هذه الآية الاضطراب وضعف الإيمان (٤) ، ثم قال تعالى : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) إعلاما بأن الأمر فوق ما يتوهّم ،
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٢ / ٣١١) ، رقم : (٣٥٤٣٤) ، وذكره البغوي (٤ / ٤١٦) ، وابن عطية (٥ / ٣٩٥) ، وابن كثير (٤ / ٤٤٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» ، وعزاه لعبد بن حميد.
(٢) ذكره البغوي (٤ / ٤١٦) ، وابن عطية (٥ / ٣٩٦)
(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ٣١٣) ، رقم : (٣٥٤٤٧) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٩٦)
(٤) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٩٦)