(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) أي : / بالقدرة والعلم ، ولا قدرة لكم على دفع شيء عنه ، وقيل : المعنى : وملائكتنا أقرب إليه منكم ، ولكن لا تبصرونهم ، وعلى التأويل الأوّل من البصر بالقلب.
(فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) أي : مملوكين أذلّاء ، والمدين : المملوك ، هذا أصحّ ما يقال في هذه اللفظة هنا ، ومن عبّر عنها بمجازى أو بمحاسب ، فذلك هنا قلق ، والمملوك مقلّب كيف شاء المالك ، ومن هذا الملك قول الأخطل : [الطويل]
ربت وربا في حجرها ابن مدينة |
|
تراه على مسحاته يتركّل (١) |
أراد ابن أمّة مملوكة ، وهو عبد يخدم الكرم ، وقد قيل في معنى البيت : [إنّه] أراد أكّارا حضريا ، فنسبه إلى المدينة ، فمعنى الآية : فهل لا ترجعون النفس البالغة الحلقوم إن كنتم غير مملوكين مقهورين؟.
وقوله : (تَرْجِعُونَها) سدّ مسدّ الأجوبة ، والبيانات التي تقتضيها التحضيضات.
(فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ)(٩٠)
وقوله تعالى : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) الآية ، ذكر سبحانه في هذه الآية حال الأزواج الثلاثة المذكورين في أول السورة ، وحال كلّ امرئ منهم ، فأمّا المرء من السابقين المقربين ، فيلقى عند موته روحا وريحانا ، والروح : الرحمة والسعة والفرح ؛ ومنه : ([وَلا تَيْأَسُوا مِنْ] رَوْحِ اللهِ) [يوسف : ٨٧] والريحان : الطيب ، وهو دليل النعيم ، وقال مجاهد (٢) : الريحان : الرزق ، وقال الضّحّاك (٣) : الريحان الاستراحة ، قال* ع (٤) * : الريحان ما تنبسط إليه النفوس ، ونقل الثعلبيّ عن أبي العالية قال : لا يفارق أحد من
__________________
(١) البيت في «ديوانه» (٢٢٤).
وينظر : «البحر المحيط» (٨ / ٢١٤) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٥٣) ، ويتركل : يفتت ما اجتمع من الرمل بقدميه ، وهنا يقصد : رمل الكرم الذي زرعت فيه أم الخمرة ، واصفا مهارة صاحب هذا الكرم.
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٦٦٦) ، برقم : (٣٣٥٧٩) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٩١) ، وابن عطية (٥ / ٢٥٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٣٠٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٣٩) ، وعزاه لهناد بن السري ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر.
(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٦٦٥) برقم (٣٣٥٧٧) عن ابن عبّاس ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٥٤) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٤٠) وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير.
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٥٤)