(أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢) فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ)(٨٤)
وقوله تعالى : (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ) : / يعني القرآن المتضمن البعث ، و (مُدْهِنُونَ) معناه : يلاين بعضكم بعضا ، ويتبعه في الكفر ؛ مأخوذ من الدّهن للينه واملاسّه ، وقال ابن عبّاس (١) : المداهنة : هي المهاودة فيما لا يحلّ ، والمداراة : هي المهاودة فيما يحلّ ، ونقل الثعلبيّ أنّ أدهن وداهن بمعنى واحد ، وأصله من الدّهن ، انتهى.
وقوله سبحانه : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) : أجمع المفسرون على أنّ الآية توبيخ للقائلين في المطر الذي ينزله الله تعالى رزقا للعباد : هذا بنوء كذا ، والمعنى : وتجعلون شكر رزقكم ، وحكى الهيثم بن عدي أنّ من لغة أزد شنوءة : ما رزق فلان بمعنى ما شكر ، وكان عليّ يقرأ (٢) : «وتجعلون شكركم أنّكم تكذّبون» وكذلك قرأ ابن عبّاس (٣) ، ورويت عن النبي صلىاللهعليهوسلم وقد أخبر الله سبحانه فقال : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ. وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبادِ) [ق : ٩ ، ١٠ ، ١١] فهذا معنى قوله : (أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) أي : بهذا الخبر ، قال* ع (٤) * : والمنهيّ عنه هو أن يعتقد أنّ للنجوم تأثيرا في المطر.
وقوله سبحانه : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) يعني : بلغت نفس الإنسان ، والحلقوم : مجرى الطعام ، وهذه الحال هي نزع المرء للموت.
وقوله : (وَأَنْتُمْ) إشارة إلى جميع البشر حينئذ ، أي : وقت النزع (تَنْظُرُونَ) : إليه ، وقال الثعلبيّ : (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) إلى أمري وسلطاني ، يعني : تصريفه سبحانه في الميت ، انتهى ، والأوّل عندي أحسن ، وعزاه الثعلبيّ لابن عبّاس.
(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٨٧)
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ٦٦١) ، برقم : (٣٣٥٥١) ، عن مجاهد ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٥٢) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٣٣) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر.
(٢) ينظر : «مختصر الشواذ» ص : (١٥٢) ، و «المحتسب» (٢ / ٣١٠) ، و «الكشاف» (٤ / ٤٦٩) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٥٢) ، و «البحر المحيط» (٨ / ٢١٤) ، و «الدر المصون» (٦ / ٢٦٩)
(٣) ينظر : مصادر القراءة السابقة.
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٥٣)