وجعل الله لهم عقولا كنملة سليمان ، وأخذ عليهم العهد بأنّه ربّهم ، وأن لا إله غيره ، فأقرّوا بذلك ، والتزموه ؛ وأعلمهم أنّه سيبعث الرّسل إليهم مذكّرة وداعية ، فشهد بعضهم على بعض ، وشهد الله عليهم وملائكته» (١) قال الضحّاك بن مزاحم : من مات صغيرا ، فهو على العهد الأول ، ومن بلغ ، فقد أخذه العهد الثّاني ، يعني الذي في هذه الحياة المعقولة الآن.
وقوله / (شَهِدْنا) يحتمل أن يكون من قول بعض النّسم لبعض ، فلا يحسن الوقف على قوله : (بَلى) ، ويحتمل أن يكون قوله : (شَهِدْنا) من قول الملائكة ، فيحسن الوقف على قوله : (بَلى).
قال السديّ : المعنى : قال الله وملائكته (٢) : شهدنا ورواه عبد الله بن عمر ، عن النبيّصلىاللهعليهوسلم.
وقوله سبحانه : (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ...) الآية : المعنى : لئلّا تقولوا ، أو مخافة أن تقولوا ، والمعنى في هذه الآية : أنّ الكفرة لو لم يؤخذ عليهم عهد ، ولا جاءهم رسول مذكّر بما تضمّنه العهد من توحيد الله وعبادته ، لكانت لهم حجّتان :
إحداهما : أنّ يقولوا كنّا عن هذا غافلين.
والأخرى : كنا تباعا لأسلافنا ، فكيف نهلك ، والذنب إنما هو لمن طرّق لنا وأضلّنا ، فوقع شهادة بعضهم على بعض ، وشهادة الملائكة عليهم ، لتنقطع لهم هذه الحجة.
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦) ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ)(١٧٧)
وقوله سبحانه : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا).
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ١١١ ـ ١١٢) برقم : (١٥٣٦٣) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٧٥) ، وابن كثير (٢ / ٢٦٢) ، والسيوطي (٣ / ٢٦١ ـ ٢٦٢) ، وعزاه لابن جرير.
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ١١٦) برقم : (١٥٣٨٤) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٧٦) ، والبغوي (٢ / ٢١٢)