تفسير سورة التوبة
وهي مدنية إلا آيتين
قوله سبحانه : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ...) [التوبة : ١٢٨] إلى آخرها ؛ وتسمّى «سورة التّوبة» ؛ قاله حذيفة وغيره ، وتسمّى «الفاضحة» ؛ قاله ابن عباس ، وقال : ما زال ينزل : ومنهم ، ومنهم حتّى ظنّ أنه لا يبقى أحد ، وهي من آخر ما أنزل على النبي صلىاللهعليهوسلم. قال عليّ رضي الله عنه لابن عبّاس : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أمان وبشارة ، وبراءة نزلت بالسّيف ونبذ العهود ؛ فلذلك لم تبدأ بالأمان (١).
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ)(٢)
قوله عزوجل : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، التقدير : هذه الآيات براءة ، ويصحّ أن يرتفع «براءة» ؛ بالابتداء ، والخبر في قوله : (إِلَى الَّذِينَ). و (بَراءَةٌ) معناه : تخلّص وتبرّ من العهود التي بينكم ، وبين الكفّار البادئين بالنّقض.
قال ابن العربي في «أحكامه» (٢) : تقول : برأت من الشّيء أبرأ براءة ، فأنا منه بريء ؛ إذا أنزلته عن نفسك ، وقطعت سبب ما بينك وبينه. انتهى.
ومعنى السياحة في الأرض : الذّهاب فيها مسرحين آمنين ؛ كالسّيح من الماء ، وهو الجاري المنبسط ؛ قال الضّحّاك ، وغيره من العلماء : كان من العرب من لا عهد بينه وبين النبيّ صلىاللهعليهوسلم جملة ، وكان منهم من بينه وبينهم عهد ، وتحسس منهم نقض ، وكان منهم من بينه وبينهم عهد ولم ينقضوا ، فقوله : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) هو أجل ضربه الله
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٣ / ٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٧٧) ، وزاد نسبته إلى أبي الشيخ ، وابن مردويه.
(٢) ينظر : «أحكام القرآن» لابن العربي (٢ / ٨٩٣)