قال ابن عباس : هو رجل من الكنعانيّين الجبّارين ، اسمه بلعم بن باعوراء (١) ، وقيل : بلعام بن باعر.
وقيل : غير هذا ، وكان في جملة الجبّارين الذي غزاهم موسى عليهالسلام ، فلما قرب منهم موسى ، لجؤوا إلى بلعام ، وكان صالحا مستجاب الدّعوة ، وقيل : كان عنده علم من صحف إبراهيم ونحوها.
وقيل : كان يعلم اسم الله الأعظم ، قاله ابن عبّاس (٢) أيضا ، وهذا الخلاف هو في المراد بقوله : (آتَيْناهُ آياتِنا) ، فقال له قومه : ادع الله على موسى وعسكره ، فقال لهم : وكيف أدعو على نبيّ مرسل ، فما زالوا به حتى فتنوه ، فخرج حتى أشرف على جبل يرى منه عسكر موسى ، وكان قد قال لقومه : لا أفعل حتى أستأمر ربّي ، ففعل ، فنهي عن ذلك ، فقال لهم : قد نهيت ، فما زالوا به حتّى قال : سأستأمر ثانية ، ففعل ، فسكت عنه ، فأخبرهم ، فقالوا له : إن الله لم يدع نهيك إلا وقد أراد ذلك ، فخرج ، فلما أشرف على العسكر ، جعل يدعو على موسى ، فتحوّل لسانه بالدعاء لموسى ، والدعاء على قومه ، فقالوا له : ما تقول؟ فقال : إني لا أملك هذا ، وعلم أنه قد أخطأ ، فروي أنه قد خرج لسانه على صدره ، فقال لقومه : إني قد هلكت ، ولكن لم يبق لكم إلا الحيلة ، فأخرجوا النّساء على عسكر موسى على جهة التّجر وغيره ، ومروهنّ ألا تمتنع امرأة من رجل ، فإنهم إذا زنوا هلكوا ، ففعلوا ، فخرج النّساء ، فزنى بهنّ رجال [من] بني إسرائيل ، وجاء فنحاص بن العيزار بن هارون ، فانتظم برمحه امرأة ورجلا من بني إسرائيل ، ورفعهما على الرمح ، فوقع في بني إسرائيل الطاعون ، فمات منهم في ساعة [واحدة] سبعون ألفا ، ثم ذكر المعتمر عن أبيه : أنّ موسى عليهالسلام قتل بعد ذلك الرّجل المنسلخ من آيات الله.
قال المهدويّ : روي أنه دعا على موسى ألّا يدخل مدينة الجبّارين ؛ فأجيب ، ودعا عليه موسى أن ينسى اسم الله الأعظم ؛ فأجيب ، وفي هذه القصّة روايات كثيرة تحتاج إلى صحّة إسناد ، و (فَانْسَلَخَ) : عبارة عن البراءة منها ، والانفصال والبعد ، كالمنسلخ من الثياب والجلد ، و (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) ، أي : صيّره تابعا ؛ كذا قال الطبريّ : إما لضلالة رسمها له ، وإما لنفسه ، و (مِنَ الْغاوِينَ) ، أي : من الضالين ، (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) ، قال ابن
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ١١٩) برقم : (١٥٣٩٨ ، ١٥٤٠١) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٧٦) ، والبغوي (٢ / ٢١٣) بنحوه ، وابن كثير (٢ / ٢٦٤) ، والسيوطي (٣ / ٢٦٦) ، وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ١٢١) برقم : (١٥٤٢٣) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٧٧) ، والبغوي (٢ / ٢١٥)